فؤاد الفضلي الدمام – ألباب كاظم خشيم: علم الطاقة يستند على أساس تكوُّن جسم الإنسان من خلايا.. وكل خلية لها جانب سلبي وآخر إيجابي وهي تتراصّ كقطعة المغناطيس. العلي: ما يُثبَت بالحقائق العلميّة نحن مأمورون بالأخذ به.. خاصّة فيما يتعلّق بالعلاج.. وديننا الإسلامي يمنع الأخذ من معتقدات بوذية ونحوها. الفضلي: للأجسام طبائع بسيطة أربع هي الحرارة والبرودة.. والرطوبة واليبوسة.. وأبدع الله تعالى من هذه الطبائع البسيطة، عناصر أربعة هي الماء والنار والهواء والتراب. آل سعيد: ما نسمع به مؤخرًا من دورات تدريبيّة لا حصر لها تتعلّق بالطاقة وما تفعله من عجائب سحرية مجرد هرطقات. انتشرت مؤخرًا دورات تدريبية ومحاضرات لتنمية القدرات الباطنية للإنسان «الطاقة»، وما يتصل بها من مهارات.. ويقول مقدمو تلك الدورات، بأن الدورات تستنهض مكامن الطاقة الداخلية لدى الإنسان، وتعلم المتدربين طرق السيطرة على النفس، وعلى المشاعر السلبية، وتخلصهم من محدوديتهم، عبر إطلاق قواهم الباطنة بتمرينات، وأدوات، وأقوال روحانية، مستندة على تراث الشعوب، البوذية، والصينية، والهندية.. تُقدم هذه الدورات برسوم مكلفة، وشهادات، و برسوم منخفضة أحيانًا، كنوع من الدعاية، لجذب الناس، تحت عناوين متعددة، مثل: الريكي، الكي، الاستشفاء الذاتي بالطاقة، والتعرّف على الهالات وتفسيراتها، والتأثير عن بعد في الآخرين، والتعرف على مداخل الطاقة ومدى تأثيرها، وتحطيم الزجاج عن بعد، والخروج من الجسد». ونتجت عن تلك الدورات أوهامٌ كثيرة، وخرافات تستعصي على التصديق، لارتباطها بمعتقدات بدائية وغير صحيحة، من شأنها أن تتسرّب عبر التدريب إلى أولئك الناس غير المطلعين، الذين لا يستطيعون فرز الأمور السويّة عن غير السويّة.. ويحاول بعض المدربين خلط تلك الدورات، بنصوص مقاربة من الإسلام، لإقناع الآخرين بها، رغم أنها مشتركات لفظيّة، لا أكثر، مما يؤدي لمزيد من الأفكار المُضلّلة، غير المستقرّة. ألف ريال لمدة يوم وشكا عدد من المواطنين من ارتفاع أسعار تلك الدورات، فقالت «علياء» بأنها التحقت بدورة تعريفية في يوم واحد، وكانت بسعر مائتي ريال، تعرفّت عبرها على أسرار الطاقة، وكيفية تنظيف الطاقة السلبية، حيث وضعت المدربة جهازا على يدها، وتحت قدميها «طشت ماء عادي» لاستخراج الطاقة، ودخلت دورة أخرى وكان سعرها ألف ريال، ولمدة يوم واحد. توصيل الجسد بالكمبيوتر وتقول «علياء»: «خضعت لجلسة استخراج الطاقة السلبية، عبر أسلاك موصولة بين جسدي وبين الكمبيوتر، وكانت المدربة، تريني مراكز ضعف الطاقة وقوتها لدي، وما الذي يحتاج إلى تنظيف منها، ومررت يدها على جسدي، لتنظيفها، والتحقت بدورة ثالثة بعدها، وفي كل مرة لم أجد أية فائدة، لذهابي أو دفعي لتلك الرسوم، ولم أشعر لا بِ «طاقة، ولا غيرها»عندي». الملح الخشن وتقول «أم ولاء»: حضرت بعض تلك الدورات، واستفدت من نصيحة المدربة التي نصحت الحاضرات، برّش الملح الخشن أو ملح البحر، في البيت عند حدوث أية مشكلة، أو عند الضيق، وهذا ما أصبحت أفعله عند حدوث أية مشكلة. وترى أ. ع، أن تلك الدورات امتصتها ماديا، إذ صرفت ما يقارب ستة آلاف لحضور تلك الدورات، وعندما لم تجد نتيجة ملموسة، كفّت عنها. خروج الروح «الشرق» زارت إحدى المُدربات الشهيرات، والتي تحمل شهادة الدكتوراة، وتقدّم مثل تلك الدورات، وسألتها عن حقيقة الخروج من الجسد، وهل مرّت هي بتجربة خروج لروحها عن جسدها، فردّت المدرّبة، بالإيجاب، وبأنه قد حصلت لها حالات الخروج المؤقتة لروحها، عن جسدها، مرّات كثيرة، فزارت مدنًا وعواصم عربيّة، بتلك الطريقة، أي دون أن تحرّك جسدها، وأنها تستطيع تكرار التجربة متى تشاء! كما قالت: «إنه يمكن أن يحدث هذا لأكثر من شخص معًا، شرط حدوث التوافق الروحي بينهما، وأنها قامت بتلك التجربة مع صديقتها المقرّبة، ونجحت» ورأت في تلك التجربة رقيّة روحيّة، يمكن لأي أحد تحصيله، عبر التمرينات والدروس، التي تقدّمها. منافسة حضارية فؤاد الفضلي ولتوضيح الحقيقة أكثر، التقت «الشرق» مع بعض الباحثين والمختصين لمعرفة آرائهم في هذه القضية. يقول الباحث الإسلامي الأستاذ فؤاد الفضلي: «هناك محاولات من بعض الشعوب لإعادة التوازن الحضاري في العالم، فانطلقت حضارات لمنافسة الحضارة الغربية، المهيمنة على العالم، في المجالات المختلفة، والعلوم الطبية ومن أبرزها، تفاعلا . وما نشهده من ظهور للطب البديل، الذي يعرّف بأنه نوع من وسائل المعالجة، التي لا تنتمي للطب التقليدي الحديث. واحتواء المصطلح على مفارقة علمية، كما صرح ريتشارد دوكينز بأنه: لا يوجد أي دواء بديل، ولكن يوجد دواء يعمل، ودواء لا يعمل. الطاقة المركزة يقول الفضلي: يعد العلاج بالطاقة (الريكي) فرعا من ذلك الطب، وبُنيَ على أساس، أثر لمس المريض أثناء علاجه، واعتقدوا بأن الكون مليء بالطاقة تتأثر بها أجسادنا، ويمكن أخذ الطاقة من الكون، وتركيزها في أجسادنا لتساعدنا على الشفاء، وأن الإنسان عبارة عن كمية من الطاقة المركزة، وهناك أناس لديهم القدرة على تركيز هذه الطاقة في أجسادهم، والتأثير بها على الآخرين، لأجل إعادة التوازن للجسم، وأي مرض يحدث للإنسان، فإنه يسبب عدم التوازن في طاقة الجسم، ولابد من إعادة التوازن ليحدث الشفاء، وغيرها من الاعتقادات. وعلم الطاقة، أقرب للطب النفسي والروحي، ما زال في طور التجربة ولم يثبت صدقيته، ويلتقي في جوهره بمفاهيم وأصول دينية، يشوبها غموض يحتاج لإزاحة، واستقبله المجتمع بين اندفاعٍ مغالٍ ورفضٍ قاطع، وهذه الحِدّية نبعت عن قصر منهجي لأننا شعوب متلقية لا صانعة، لا نملك مراكز أبحاث طبية تتبع مناهج البحث العلمي لتقوم بتقييم التجربة». حضارتنا منسية وأضاف الفضلي: «سأتناول موضوع العلاج بالطاقة من جانب مختلف، يُضاف لما أشرت إليه، من ضرورة وجود مراكز بحثية طبية، لتقييم هذا العلاج، ويتعلّق بحضارتنا المنسية في مجال الطب وعلومه، ولماذا والساحة العالمية تبحث عن الجديد، لا نكون مبادرين في إعادة إحياء تراثنا الطبي، وتقديمه للعالم. توجد محاولات فردية قليلة، كمحاولة الدكتور محمد علي البار وغيره، ولكنها لم تجد الصدى العالمي، لأنها لم تنطلق من مراكز أبحاث، بالمستوى العلمي المنشود. نستطيع بما في تراثنا الطبي، تقديم مخرجات تخدم الإنسان، وترفع من واقعنا الحضاري، وهناك مميزات لحضارتنا، لاتوجد في غيرها، كونها نابعة من أصول علمية، ساهم بها الأطباء المسلمون، وفلسفة دينية خاصة، جادت بدورها في تطوير هذه المساهمات. طبائع بسيطة واستطرد الفضلي: سأطرح مثالين من هذا التراث، لإيضاح الفكرة: الأول في الطب العضوي، إذ قام الطب في حضارتنا على أساس، أن أصل تكوين الأجسام، هو طبائع بسيطة، أربع وهي: الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وأبدع الله تعالى من هذه الطبائع البسيطة، عناصر أربعة هي: الماء والنار والهواء والتراب، ولكل منها صفات تقوم عليها، الأمزجة الأربعة، في جسم الإنسان: الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء، بتفصيل دقيق، ذكرته كتب الطب العربية القديمة، ووفق هذه النظرية، يختلف العلاج لأي مرض، حسب مزاج الإنسان، الذي يجعل جسمه، يتقبل الدواء أو لا، فلا يعطى نفس الدواء لكل إنسان. روحية المريض وقال الفضلي: هذا الأساس غير موجود في الطب الحديث، ولو أخضع لدراسات وافية، فسيقدم نقلة طبية مهمة. والثاني في الطب النفسي: وهو العلاج بالقرآن والدعاء، وهو الأقرب للعلاج بالطاقة، والمهذب له لو قرأناهما معاً، ودرسناهما دراسة مقارنة، وقدمناها للعالم. فالعلاج بالقرآن والدعاء، يعتبر بحراً زاخراً، يستطيع لو قيض له علماء نفس، وأطباء أجلاء، يقومون بدراسات علمية مستفيضة، أن يحدث نقلة جوهرية، في عالم الطب، ويعرف البشرية، على عالم جديد، في العلاج النفسي، القائم على رفع روحية المريض، واستنطاق طاقته الكامنة» هرطقات غير مجدية من جانبه أكّد الاختصاصي النفسي في برنامج الرعاية النفسية الأولى في الشرقية بمركز صحي المجيدية في القطيف الأستاذ أحمد آل سعيد «أنّ ما نسمع به مؤخرًا من دورات تدريبيّة لا حصر لها، تتعلّق بالطاقة، وما تفعله من عجائب سحرية، لا يختلف عن البرمجة اللغوية العصبية، التي سبقت الطاقة، في دخولها المجتمع، وكان ذاك في عام 1425ه، فانتقدتها منذ ذلك الوقت، والآن ذهبت البرمجة، وجاءت الطاقة، وستذهب أيضًا، كالزبَد الذي يذهب جفاء، بعكس ما ينفع الناس فيبقى». استغلال حاجة الناس وربط السعيد بين حاجة كثير من الناس لتخفيف آلامهم، وبين المسميات البراقة للدورات، والتي وجدوا فيها مخرجا لهم، عن الذهاب إلى العيادات النفسية، غير المقبولة في نظر المجتمع بعد. وأن أكثر هذه الدورات لا أساس لها من الصحّة، فهي عبارة عن اقتباسات من علم النفس، ومن الرياضيات، ومن الدين، ومن غيرها من العلوم، ومن ثقافات متعددة، لكن جميها لا تفي بالغرض. وأضاف: «هناك من تعاني من صداع، وتذهب لمدربة معينة، وتخبرها بأن لديها طاقة سلبية، وستعمل على نزع تلك الطاقة منها، ثم ترتاح بالفعل، وهذا لأنها خففّت عنها عبر الإيحاء، وعبر الكلام الجميل الذي تسمعه منها. وليس بسبب تلك الأدوات التي يستخدمونها لسحب الطاقة السلبية، مثل إحضار إناء فيه ماء وغمس القدمين فيه، وغيرها من تلك الأمور، والمبالغات، والهرطقات غير المجدية، وهي لاستغلال بساطة الآخرين. بل إن هناك من يعاني من فشل كلوي، وبدل أن يذهب لطبيب متخصص، يذهب إلى مدرّب الطاقة، ليستخرج منه الطاقة السلبيّة. والغريب أن أكثر من يلجأ لتلك الأمور هم من الجامعيين والجامعيات. وإحدى المدربات للطاقة تفتح عيادتها للكشف، بمبلغ 250 ريالا، وتستقبل حالات ضعف النظر! والربو!.» توهم المرض ورأى السعيد أن البعض ليست لديهم مشكلات صحية، ولكنهم يعانون من توهم المرض، ثم يتجاوزون أزمتهم عبر إيحاءات المدرب لهم، بأنهم أصحاء. وليس بسبب الطاقة الكامنة في شكل الأهرامات، أو غيرها من الأدوات التي يستخدمونها. ووصف المعالجة بالطاقة، بأنها ليست علمًا، فلا هي فلسفة، ولا رياضيات، فلا تُدرّس في الجامعات أو الكليّات الرسميّة، ربما نجد لها معاهد مستقلة، وأهليّة فقط، وليست عندها أدوات للقياس والتشخيص، ليست هناك اختبارات يمكن العمل عليها، ولا مراجع علميّة فيها. ليست علماً وقال السعيد : «لو أردت تطبيق أساليب العلاج بالطاقة في عيادتي لا أقدر على ذلك، وهذا يعني أنها ليست علما معترفا به، بينما الاختصاصي النفسي لديه تجاربه وأدوات قياسه، لذا هو قادر على تشخيص الحالة. فعندما يأتي لزيارتي مريض يعاني من الآم معينة، فأنا أشخّص حالته مستندا على معايير علمية، مثلا أنظر لفحوصاته الطبية، وعندما أجدها سليمة أعرف أنه يعاني من مشكلة نفسية، ومن خلال اختبارات معينة وفحوصات مُعتمدة أقوم بها معه، أتوصلّ لمعرفة الحالة التي يعاني منها. فكم استقبلت من حالات حوّلها مدربو الطاقة عليّ». وبخصوص شهادات المدربين، الذين يُعرّفون أنفسهم بأصحاب شهادات في الطاقة، بيّن أن هؤلاء درسوا عبر الإنترنت، أو في مراكز تدريب خاصة، تابعة لمعاهد أصليّة في بريطانيا أو كندا، ومخولّة بمنح شهادات للمتدربين عن طريقها. فالشخص يدرس دورات عديدة ويدفع آلاف ثم تُعطى له شهادة ممارس أو مدّرب، وبناءً على ذلك، يقدّم دوراته للآخرين، والناس المتجهون لأولئك المدربين، قد ألغوا العلم وفقدوا الطريق الصحيح للعلاج، بتوجههم لتلك الدورات. واستنكر السعيد على الذين يتحدثون في الطاقة، وليس لديهم مانع في إلقاء محاضرة دينية، تفسّر فائدة العلاج بطاقة الصلاة على النبي وآله مثلاً، فينصبون أنفسهم علماءً في كل شيء، ويشتغلون على جميع القنوات. خلايا جسم الإنسان زهير خشيم واتفق الدكتور زهير خشيم، اختصاصي التنويم الإيحائي مع الدكتور آل سعيد، حول انتفاء صفة العلمية عن العلاج بالطاقة كما زالت البرمجة العصبية NLP، من قبل، وقال أنها من الزبد الذي يذهب جفاء، وبيّن أن علم الطاقة يستند على أساس أن جسم الإنسان يتكوّن من خلايا، وكل خلية لها جانب سلبي وآخر إيجابي، وهي تتراصّ في جسم الإنسان، كما في قطعة المغناطيس التي فيها قطبان السالب والموجب، وعند تقابل القطبين المختلفين يحدث الجذب، بينما عند تقابل القطبين المتشابهين يحدث التنافر، وهي نفس الفكرة التي يعتمد عليها علم الطاقة، فأحيانا يتغيّر ترتيب الخلايا، فتختلّ الطاقة في جسم الإنسان، فيقوم مدرّب الطاقة بإعادة ترتيبها من جديد، فيحدث توازن للطاقة. وقال: «العلاج بالطاقة أو الطب البديل قد نجد فيه بعض الفوائد، واليوجا أيضًا رياضة للاسترخاء والتأمل، خاصة إذا رافقها صوت يساعد على التهدئة، وضبط الأعصاب. وقد يحصّل الإنسان منها بعض الفائدة، أما الخروج من الجسد فهذا ما ليس له أية حقيقة علميّة». الرأي الشرعي: محمد العلي ولمعرفة الرأي الشرعي حول هذه القضيّة يقول الشيخ الدكتور محمد العلي، أستاذ الثقافة في جامعة الإمام محمد بن سعود: «منهج الإسلام واضح، فما يُثبَت بالحقائق العلميّة، نحن مأمورون بالأخذ به، خاصّة في ما يتعلّق بالعلاج. أما الاعتماد على قضايا عقائدية، هي في ميزان الأديان غير صحيحة، كالبوذيّة، والهندوكية، وغيرها. فإنّ ديننا الإسلامي، ينهى عن الأخذ بقضايا تعتمد على معتقدات بوذية، أو تصوّرات هندوكية غير صحيحة، أما ما أثبته العلماء المحققون، من طرق استشفائية، فلا بأس من اللجوء إليها». معتبرًا أن الدورات التي تزعم، تعليمها الخروج من الجسد، فليست نافعة بشيء، ووصفها بالأقرب للشعوذة والكهانة والسحر، منها إلى العلم. والسحر في ديننا منهيّ عنه. ففي مجال الغيبيّات، لا نأخذ بغير كتاب الله عزّ و جلّ، الذي وصف الروح، بأنها من أمره «قل الروح من أمر ربي».. وبصريح القرآن الكريم، تكون هذه الروح من اختصاص المولى، ولا علاقة لها بما يروّج له أصحاب تلك الدورات، من قدرتهم على التحكّم فيها.