«وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ» (سورة الأنفال، آية 60)، هكذا يرد مصطلح الإرهاب في القرآن، والذي يكاد ينحصر في التخويف بالإعداد للدفع عن المسلمين ضد أعدائهم، ولو تأملنا الآية لوجدنا أن مفردة «ترهبون» جاءت للتعليل لفعل الأمر «أعدوا»، أي أن الإرهاب ليس فعلاً يؤمر به المسلم، ولكنه رد فعل يقوم به العدو، أي الخوف، نتيجة ما يراه من قوة. هذا المصطلح الذي جاء في القرآن بصيغة تعليل أمر الإعداد العسكري للحرب أو الدفاع، اختطفه فقهاء التزمت ليجعلوا منه مبرراً لتدمير العدو بأي صيغة كانت، دون النظر إلى ما اشتمل عليه القرآن، وكذلك السنة النبوية، من آداب يجب التزامها أثناء الحرب مهما كان مبررها، وما أكدا عليه من وجوب ألا يخرج الأفراد على الحاكم بدعوى مقاومة العدو. وهو قصور فهم لمعاني القرآن الذي جاء للانتصار للحياة وليس للتحريض على القتل: «إن معاني القرآن الحكيم لها جامعية واسعة شاملة وذلك لصدوره من الكلام الأزلي وخطابه جميعَ الطبقات البشرية في جميع الأعصار، لذا لا تنحصر تلك المعاني على مسألة واحدة كما هي في الإنسان بل هي كالعين الباصرة تنظر إلى أوسع مدى. فيضم الكلام الأزلي ضمن نَظَرِه المحيط جميع الأزمان وجميع البشرية بطوائفها كافة» (بديع الزمان النورسي، إشارات الإعجاز، ج5 ص 244)، هذه الشمولية التي نظر بها النورسي إلى معاني القرآن لم تكن حاضرة في نظر من يفتون بوجوب التدمير، كما غابت عنهم الخطابات المباشرة الواضحة التي اشتمل عليها القرآن وكان فيها تقديم واضح لبعض الطوائف على المسلمين حين يتعلق الأمر بالحرص على الحياة وحفظ حقوق الناس ومن أهمها الحق في اعتقاد ما يريدون: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا» (سورة الحج، آية 40)، فآخر ما ذكرته هذه الآية كان مساجد المسلمين بعد أن قدّمت صوامع الصابئة وكنائس اليهود والنصارى. ثم إن القتال في الإسلام ليس أمراً مطلقاً، ولا ينعقد دون راية، ما يجعل أي قتال خارج راية المسلمين التي يعقدها إمامهم ضرباً من الفساد في الأرض، حتى لو لم يعقد الإمام راية الجهاد في أسوأ الظروف فإن هذا لا يبرر للبعض تعبئة الناس واستخدامهم باسم الدين في خدمة أغراضه، أو حتى لإرضاء عاطفته الدينية حتى ولو كانت عاطفة صادقة: «روى أُبيّ بن كعب، قال: لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوسٍ واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه» (المباركفوري، الرحيق المختوم، ص 196)، ومع هذا لم يؤذن لهم بالقتال، حتى نزل قوله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ» (سورة الحج، آية 39)، والذي جاء مقيداً في الآية: «هذا الإذن إنما هو لإزاحة الباطل» (المباركفوري، الرحيق المختوم، ص196). إنّ استخدام الخطابات الدينية للحث على العنف وتبريره جاء تالياً لما يقع على العالم الإسلامي من عدوان متكرر، هذا العدوان، بدءا من احتلال فلسطين وليس انتهاء بحربي أفغانستان والعراق، ساهم كثيراً لإيجاد ردود فعل متطرفة داخل المجتمعات الإسلامية، وهي أشبه برد الفعل الفردي لأنها لم تأخذ أشكال مقاومة منظمة للاستعمار، أو حتى شكل حركات منظّمة واضحة المعالم لإنهاء الاحتلال. إنها شكل فوضوي للعنف الفردي الذي يقف الدين وراءه من خلال فتاوى منقوصة غير واضحة، ففي حين ينطلق إرهاب الدول من منطلقات قومية أو استعمارية أو تاريخية، فإن مقاومة الأفراد لهذا الإرهاب تكون مجرد رد فعل يصدر عن رغبة تدميرية بلا مبرر يقف وراء نشوئها جماعة يقودها مجموعة من المتدينين الذين يديرون الشأن الديني ويقدمون فتاوى الجهاد، وهي جماعات بلا هدف تريد الوصول إليه، لأنها تقوم برعاية رغبات فردية، نشأت بمسوغ ديني وجد له ما يبرره كخطاب متطرف للترويج لأيديولوجيته: «إن عالماً لا سبيل فيه لدى الناس إلى العدالة هو عالمٌ سيستمر السخط فيه في الاشتداد والسوء» (هيرتس، السيطرة الصامتة، ص242)، هذا ما تقرره نورينا هيرتس في كتابها عن موت الديمقراطية، وتسبق ذلك بتعليل يوضح أثر الولاياتالمتحدة في الفترة التي بدأت مع بداية الألفية الميلادية الثالثة، أي الفترة الموسومة بالإرهاب: «إن بوش لم يقف عند حد التهديد بإزالة جميع المكاسب التقدمية الكبرى، بل إنه مضى أبعد من ذلك مهدداً بتقويض التعاون في العالم مع نفوره التام من الأخذ بسياسة تعدد الأطراف» (هيرتس، السيطرة الصامتة، ص239). من هنا يتضح أن «الإرهاب» سلوك، وإن كان ليس حديثاً، إلا أنه أخذ شكلاً منظّماً في العصر الحديث، كما أنه يقوم على الفعل ورد الفعل ضمن دائرة يصعب فهمها، لكن من الواضح أن العالم يدرك من يقف وراء هذا الإرهاب المنظّم، يقول هارولد بنتر المسرحي الإنجليزي الفائز بنوبل 2005م: «الجرائم التي ترتكبها الولاياتالمتحدة في شتى أنحاء العالم جرائم منظمة ومتواصلة ومحددة الأهداف وقاسية وموثقة بالكامل، لكن ما من أحد يتحدث في شأنها» (بنتر، صحيفة الحياة، العدد16703). وجرائم هذه الدول ضد العالم الإسلامي هي المسؤول الرئيس لنشوء خطاب ديني متطرف يدعو للعنف ويبرره ويرغّب فيه، فالدين واحد لكنه متعدد الخطابات، وأكثرها أثراً ما خاطب المشاعر ودغدغ العواطف، وهو أمر موجود في ظل ما تمارسه بعض الدول من إرهاب يوفّر الشواهد تلو الشواهد لبعضهم كي يُسقطوا النصوص الدينية على الأحداث فيكونون بذلك مقنعين، فدعاة المذاهب الدينية المتطرفة يدخلون إلى ضمائر أتباعهم عبر طريقين، أحدهما: استغلال الجانب الوجداني، عبر الترغيب والترهيب، والطريقة الأخرى هي ما يتم تكليف الأتباع به داخل الجماعات الدينية المتطرفة من بحوث حول جرائم الدول الكبرى لإبرازها وتضخيمها وبالتالي استخدامها في تعبئة الأتباع المتدينين بالضرورة. وهو أسلوب عمل كان نيتشة يقرره من خلال نظرته لعمل الطوائف الدينية التي تستغل الأحداث لتأجيج مشاعر الناس وتعبئتهم: «لقد أمّنوا للمتألمين تعزية، وللمقموعين واليائسين طمأنينة، وللامستقلين عماداً وسنداً، وأبعدوا عن المجتمع المحطمين والمتبربرين جوَّانياً واستدرجوهم إلى الأديرة والسجون النفسية» (نيتشة، ما وراء الخير والشر، ص97).