قديماً قالوا «التجارة شطارة، ولا ينجح فيها إلا حاذقٌ ذو مهارة». في عصرنا الحاضر، ازدادت نسبتا الشطارة والحذاقة لدى كثير من التجار، حتى باتوا يضحكون على حال المواطن المستهلك بسخرية وفوقيّة ليس لهما نظير، وحقّ لهم ذلك؛ لأنهم يملكون زمام السيطرة على الأسعار بعشوائية مفرِطة، دون رقيب أو رادع، يتلاعبون بالسلع كيفما شاؤوا، ويتباهون بالغش التجاري، ويعبثون بالأنظمة بلا هوادة، ويضربون بالقوانين عرض الحائط، وكأن شيئًا لم يكن. في غضون يوم أو يومين -وقد تكون ساعة أو ساعتين- يزداد سعر المواد الغذائية، ومن صعود إلى صعود، وحماية المستهلك تغطّ في سباتها العميق، غير واعية بأهدافها، ولا مدركة لمهامها. لم يعد المستهلك يثق في سعر السلعة التي يشتريها، ولم يعد يأخذ السلعة ثم يذهب إلى الكاشير ليحاسب كما كان سابقًا؛ بل أصبح يسأل عن سعر الشطّة والزبادي قبل أن يشتري؛ كي لا يقع في الحرج عند الحساب؛ فالثوابت في عالم الغذاء زُحزِحت وبدُّلت أسعارها متأثرةً بانحراف بعض التجار، وممارستهم النصب والاحتيال؛ حتى يتفوقوا على المواطن المسكين، الذي اعترف بإخفاقه وفشله وعدم قدرته على مواجهة حمّى الأسعار ولهيبها، ويُعزى كلّ ذلك إلى تضعضع جمعيّة حماية المستهلك، فياليتها تفيق وتعي أدوارها المنوطة بها.