إبراهيم آل عسكر بالتزامن مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) مقاليد حكم البلاد وذلك في العام 1426ه. بدا وبوضوح تام تركيز القيادة العليا في سياستها الداخلية على توفير أسباب الحياة الكريمة للمواطن من خلال تنمية الإنسان والمكان في كافة أرجاء الوطن وبالشكل الذي يحقق العدالة المجتمعية بمختلف جوانبها واتجاهاتها، ويواكب أيضا المرحلة التي نعيشها بما فيها من متطلبات وتحديات من الصعوبة بمكان تجاوزها ما لم يقف خلف هذا التوجه المحوري في مسيرة البلد وفرة مالية كبيرة وقائد يحمل في قلبه وفكره كل معاني السمو والإنسانية. ومن سيل الأوامر والقرارات الملكية الكريمة التي تصب في هذا الاتجاه الأمر الملكي الكريم رقم 63/أ الصادر في 13/4/1432ه ومضمونه: (اعتماد بناء خمسمائة ألف وحدة سكنية في كافة مناطق المملكة، وتخصيص مبلغ إجمالي لذلك قدره مائتان وخمسون مليار ريال). هذا المشروع الضخم الذي يعلق أكثر من نصف تعداد المملكة السكاني آمالهم عليه، بالتحصل على منزل (ملك) يقضي على هاجس الإيجار الذي طالما أقلق مضاجعهم سنوات عديدة. ناهيك عن كون هذه المدن السكنية -متى استكملت مراحلها التنفيذية- ستخلق نمطاً معيشياً ونسقاً اجتماعياً جديداً على بيئتنا المحلية.. بالإضافة لفرص التوظيف الكبيرة جداً التي ستوفرها هذه المدن في كافة المجالات (تعليمية صحية أمنية.. ووو..إلخ). وهذا بطبيعة الحال شيء جيد سنقطع من خلاله بإذن الله شوطاً كبيراً في سبيل تحدٍ آخر -أكبر- ألا وهو القضاء على صداع العصر (البطالة) وأحد أهم أسباب ارتفاع معدلات الجرائم المرتكبة والاعتلالات النفسية التي تفشت في السنوات الأخيرة. قد يبدو حديثي الآنف مكروراً وإنشائياً في مجمله بنظر كثير شأنه شأن الحديث عن جدوى بقية المدن الاقتصادية والصناعية التي سال من أجلها حبر كثيف عبر مانشيتات الصحافة وأعمدة كتابها في الفترة الماضية. فلا تحنق -عزيزي القارئ- وخذ من النفس ما يكفيك لتحمل ما أنا بصدد التطرق إليه عن الفترة المنقضية من المرحلة الأولى (الإنشائية) لمشروعات المدن السكنية ال47 التي تنفذها وزارة الإسكان في عدد من مناطق المملكة. فلقد فاجأتنا إحدى القنوات الفضائية قبل أيام بحلقة خاصة تضمنت تقريراً مفزعاً بالصور والأرقام عن عيوب تلك الإسكانات في مرحلة الإنشاء، سألخص أهم ما جاء فيها في النقاط التالية، ولك أن ترتبها من الأصغر إلى الأكبر حسب أهميتها وحجم خطرها وذلك من باب التسلية والتخفيف من هول الفاجعة: – وحدات سكنية حديد أسقفها بارز من الصبة الخرسانية. – ظهور تعشيش في صبة الأعمدة. – ترحيل أعمدة عن مكانها. – تسرب تربة الدفن من فجوات عدة في ميدة الوحدات. – البدء في بناء الوحدات السكنية قبل تنفيذ البنية التحتية، بدليل استكمال بناء مشروع (إسكان رمادة في جازان) بنسبة 100% قبل تنفيذ بنيته التحتية وبالتالي تقرر إغلاقه إلى حين معالجة الوضع. – تدني نسبة الإنجاز في مشروعات قاربت مدة تنفيذها على النهاية وأخرى انتهت مدتها ولم تسلم. – غياب العدل بين المناطق والمحافظات في المشروعات الجاري تنفيذها. فعسير -على سبيل المثال- لم تحظ حتى الآن بتنفيذ مشروع واحد بالرغم من حجم الاحتياج المقدر ب 47000 وحدة سكنية، بينما منطقة أخرى حجم احتياجها 24000 وحدة ويجري حالياً تنفيذ 9 مشروعات فيها. وإليك هذه المعلومة ليزول عنك شيء من التعجب من سير هذه المشروعات بالرغم مما خصص لها من ميزانيات واستثناءات، كالذي زال عني حين معرفتي بها في آخر حلقة البرنامج. وهي أن تخصص المشرف العام على وكالة وزارة الإسكان للشؤون الفنية في (الهندسة الكهربائية)! وهنا حق للوطن كله أن يتساءل: ما علاقة هذا التخصص بتحليل التربة والتخطيط ومراقبة المباني طور الإنشاء؟ وهل ما زلنا نستبشر بمستقبل هذه المدن السكنية والجدوى المنتظرة منها؟