هناك حاليا جدل ضخم على شبكة الإنترنت تجاه مشروع قرار مطروح في الكونجرس الأمريكي باسم «قانون إيقاف القرصنة الإلكترونية» (Stop Online Piracy Act)، ولعله من النادر في تاريخ الإنترنت أن شهد قانون مثل هذا الجدل بسبب تطبيقاته وآثاره واسعة النطاق. القانون باختصار يسمح لأول مرة للحكومة الأمريكية بحجب موقع ما على الإنترنت في حال انتهاكه للملكية الفكرية (موسيقى أو فيلم أو برنامج أو مقال صحفي أو غيرها)، وهذا يشمل وضع رابط للمحتوى المخالف أو السماح لأحد من الجمهور بنشره على الموقع. في حال كان الموقع غير أمريكي، فإن شركة تسجيل اسم النطاق (الدومين) ينبغي أن تغلق الاسم، وعلى شركة الاستضافة إيقاف استضافة الموقع، ويمنع على الشركات الأمريكية الإعلان عنه، كما تمنع مواقع البحث مثل جوجل من الإشارة للموقع تماما. القانون أثار جدلا واسعا لأنه لأول مرة في التاريخ يضع ضغطا على مواقع مثل يوتيوب وفيسبوك وتويتر وجوجل أن تتحول من «أرضيات حيادية» للمحتوى (أي لا تتدخل في طبيعة ما ينشر) إلى مواقع تتحمل مسؤولية النشر، مما يعني أن عليها فرض رقابة على ما ينشر بطريقة أو بأخرى، وهو كذلك لأول مرة يحاول استغلال إدارة أمريكا لشبكة الإنترنت في معاقبة المواقع غير الأمريكية، وهو أيضا لأول مرة يطالب مواقع البحث بعدم إظهار موقع ما في نتائج البحث. وإذا كانت بعض هذه الممارسات مطبقة ضد المواقع التي تدعم الإرهاب أو العنف، فإنها مطبقة بمبادرة وتعاون من الشركات وليس بناء على قانون واضح. القانون له مؤيدوه طبعا، حيث تقف وراءه شركات الإنتاج السينمائي والموسيقي الكبرى والشركات الإعلامية التي بدأت ترى في الإنترنت مصدرا رئيسيا للدخل والأرضية الأفضل للتوزيع في حال حماية حقوقها وإجبار الجمهور على الدفع، وهؤلاء يقولون بأن شركات الإنترنت مبالغة في تقديرها للآثار المحتملة لأن القانون سيستخدم فقط ضد المواقع التي تقوم في عملها على نشر المحتوى المخالف. شركات الإنترنت وعلى رأسها جوجل ومايكروسوفت وتويتر ترفض القرار تماما، وتقول بأنه سيعطي للشركات الإعلامية سيطرة كبيرة عليها، وأنه سيسمح لأي قاض أمريكي بإغلاق الموقع حسب القانون لمجرد وجود رابط نشره شخص ما لمحتوى غير قانوني، كما أن أمريكا ستعطي بذلك الضوء الأخضر للدول الأخرى لوضع مثل هذه الأنظمة التي سيساء استخدامها بشكل كبير ضد مواقع الإنترنت على اختلاف أنواعها لأسباب سياسية أو أيديولوجية أو تجارية، بالإضافة لتأكيدهم أن الحجم الاقتصادي لشركات الإنترنت أكبر بكثير من حجم شركات السينما والموسيقى والتلفزيون. هناك حملة ضخمة في أوساط «سكان العالم الافتراضي» ضد القانون، ولو وضعت على تويتر الهاشتاج sopa لفوجئت بحجم الحملة، وكان جزء من الحملة ضد شركة GoDaddy لتسجيل النطاقات حيث هدد الكثيرون بنقل «الدومينات» من عندهم، وخرجت الشركة في يوم الجمعة الماضي لتوقف دعمها للقرار، مطالبة بنظام يوافق عليه «مجتمع الإنترنت» لحماية الحقوق الفكرية. أما لو وضعت الهاشتاج OpBlackOut فستجد الفريق الأكثر تطرفا الذي يرى أن القرار مؤامرة لتدمير شبكة الإنترنت، وينظمون حملة يقودها الهاكرز لوضع شعار رفض القرار على أي موقع يستطيعون اختراقه بدءا من الأسبوع الأخير لديسمبر. هناك أيضا حملة لعدد كبير من جمعيات حرية التعبير ضد القرار، وبسببهم فإن عشرات الآلاف من رسائل الرفض وصلت الكونجرس. القانون سيناقش في الكونجرس في الأيام القادمة، وأيا كانت النتيجة، فهو مؤشر لجهد ضخم سيؤتي ثماره بشكل أو بآخر لحماية المحتوى الترفيهي ضد مواقع الإنترنت، وهو الأمر الذي لو تم بشكل معقول (وليس بالطريقة المذكورة أعلاه) فإنه ستكون له آثار تشبه الثورة في تشجيع شركات الإنتاج على أنواعها في استخدام الإنترنت بدلا من الطرق الكلاسيكية في توزيع محتواها للجمهور. بالمقابل، فإن القانون هو عقوبة جماعية لصناعة الإنترنت لأنها تجاهلت هذه القضية عبر السنوات، ولو نجحت مواقع الإنترنت في إيقاف القرار فإنني أعتقد أنها ستأخذ الموضوع بجدية الآن لإيجاد طرق لمساعدة شركات الإنتاج على حماية حقوق محتواها. إحدي النتائج الإيجابية الأخرى لوجود آليات لحماية الملكية الفكرية هي تقليل الاعتماد على الإعلان لتمويل مواقع الإنترنت والمحتوى على يوتيوب وغيرها لأن هذا الاعتماد الضخم (الذي يأتي بسبب القرصنة وعدم إمكانية عرض المحتوى بمقابل مادي على النت) له آثار سلبية كبيرة على المدى القصير والبعيد، وربما أتحدث عن هذا في مقال قادم.