رمت الحرب الكلامية بين أنقرة وباريس على خلفية مصادقة البرلمان الفرنسي الخميس على قانون يجرّم كل من ينكر مذابح الأرمن من قبل الدولة العثمانية، بحجر في المياه الراكدة في الجزائر، ودفعت بالطبقة السياسية لإدانة الموقف الفرنسي الذي يكيل بمكيالين بحسب ما قالوا. واتهم سي عفيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري بوقوف لوبي يحاول تسيير الشؤون السياسية لحزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وله موقف معاد لكل ما له علاقة بالإسلام، وقال سي عفيف القيادي البارز في جبهة التحرير الوطني، صاحبة الأغلبية البرلمانية ل»الشرق»: «نعرف الموقف الرسمي الفرنسي من مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، حيث عرقلت ذلك المسعى بدعوى خطر انضمام دولة إسلامية إلى النادي المسيحي»، وبخصوص اقتراح بعض النواب من كتلة حزب الأغلبية البرلمانية لسن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي على غرار القانون الذي وضعه البرلمان الفرنسي في فبراير 2005، رد النائب: «نحن متمسكون بهذه المبادرة ومن حق الشعب الجزائري أن تعترف فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر، والتعويض والاعتذار» وإلى اليوم ترفض الحكومة الفرنسية الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر، ودعت الجزائريين إلى نسيان ذلك وترك هذا العمل إلى عمل الذاكرة. ومن جهته، وصف صاحب مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في البرلمان الجزائري، الموقف الفرنسي بعد المصادقة على قانون تجريم إنكار إبادة الأرمن أن «فرنسا تتعامل مع الأحداث وتكيل بمكيالين، وتنظر إلى الأحداث التاريخية بنظرتين تاريخيتين مختلفتين، تدير ظهرها لكل جرائمها، وما ارتكبته بحق الشعوب، وتتنكر لجرائمها وما ارتكبته في الجزائر طيلة 132 سنة من الاستعمار». أما بخصوص مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي الذي بقي حبيس أدراج البرلمان الجزائري منذ أكثر من سنتين، أكد النائب عبدي في تصريح ل»الشرق» أن قانون تجريم الاستعمار الذي اقترحه مجموعة من النواب وقَع نتيجة ظروف دولية لكنه حقق مكاسب سياسية للجزائر، حيث أصبح الساسة الفرنسيون يترددون يوميا على الجزائر لوأد هذا القانون، وبالفعل مارست فرنسا ضغوطا على الجزائر لثني البرلمان عن المصادقة على القانون.وتسبب هذا القانون، الذي لم ير النور إلى اليوم، في إثارة أزمة سياسية صامتة بين الجزائر وباريس على خلفية دعوة بعض النواب في البرلمان الجزائري، المعاملة بالمثل عندما صادق نظراؤهم الفرنسيون على قانون يمجد الاستعمار الفرنسي في الجزائر. أما المؤرخ الجزائري المشهور «محمد القورصو»، فقد اعتبر موقف البرلمان الفرنسي بإدانة من ينكر مجازر الأرمن بالموقف الانتقائي، « ويعتمد على توجيه التهمة للآخرين في حين أن مقترف الجريمة هو ذات المؤسسة والبلاد التي تتهم الآخرين بالجريمة».وذكّر «القورصو» فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر طيلة 132 سنة من الاحتلال، من بينها المحارق التي أقامتها في الجزائر سنة 1845 بالمنطقة الغربية، وكانت سباقة في تدشين المحارق التي اعتمدها هتلر، يضاف إلى ذلك الإبادة التي عرفتها الجزائر غداة الحرب العالمية الثانية والمعروفة بمجازر 8 مايو 1945، كما يضاف إليها استعمال الأسلحة المحظورة كالنابالم لحرق الغابات والمزارع والسكان، وتفجير ثلاثة ملايين ساكن، وزرع ما يزيد عن 12 مليون لغم ضد الأشخاص، وكل ذلك تُوّج بتفجيرات نووية قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية. ولتغطية هذه الجرائم، يضيف المؤرخ «القورصو: « قامت فرنسا بسن قانون 23 فبراير 2005 يمجد فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهذا يدل كما يقول الرئيس السابق لجمعية 8 ماي 1945 على أن «الثقافة الفرنسية، ثقافة الإمبراطورية الاستعمارية، ما زالت توجِّه السياسة الفرنسية الحالية»، ودليله في ذلك موقف باريس من المسألة الليبية ودخولها في غزو اقتصادي لإعادة إعمار ليبيا، ويضاف إلى هذه القراءة التاريخية قراءة سياسية وهي أن ساركوزي المدعوم من اللوبي اليهودي يعمل من جهة على كسب أصوات اليهود والجالية الأرمينية، ومن جهة أخرى على عزل تركيا دوليا. وتأسف المؤرخ لغياب أفراد الجالية الجزائرية في فرنسا لمساندة نظرائهم الأتراك في احتجاجهم على القانون الجديد، وكذلك ما وصفه الصمت المطبق للدول الإسلامية بما فيها الجزائر، لأن المستهدف ليس تركيا فقط، وإنما المسعى لتدجين الدول العربية الإسلامية وفي مقدمتها دول المغرب العربي التي لها ماضٍ مشترك مع الاحتلال الفرنسي.