بناء الأوطان ليس نزهة يتأرجح أصحابها في حبال الشعارات، بينما الفعل على الأرض محض خيانة. تلك العبارة الموجزة ربما تختزل المشهد المصري الآني الذي كشف وعرّى المتسترين بمقولات أكبر من أحجامهم الهزيلة سواء في الواقع الشعبي أو في عقول الذين غرروا بهم وأوهموهم بأنهم وطنيون مخلصون يثورون من أجل الفقراء ومن أجل إعلاء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما هم أول الباحثين عن الغنائم الشخصية، ليس على حساب هؤلاء البسطاء فحسب، وإنما على حساب الوطن كله. تلك الحقيقة هي ما جعلت (حفنة) -ولا أقول (نخبة) احتراماً لقيمة هذه اللفظة ومعناها المستقر في العقل الجمعي- تتحالف مع أعداء الثورة من «فلول» عز عليهم أن تجف آبار النهب، و»بلطجية» غيّبت المخدرات عقولهم وأصبحت روح الإنسان والممتلكات الخاصة والعامة لديهم لا تساوي مائة جنيه من المال السياسي الفاسد، وكل الحكاية «زجاجة مولوتوف» أو «رصاصة». ولم تكتف هذه الحفنة بذلك، بل تحالفوا مع «قضاة» (والله ترتجف أصابعي وأنا أكتب هذه الكلمة!) شرعنوا الفساد على مدار عقود، و»محامين» وظفوا كل مهاراتهم وحيلهم للدفاع عن قتلة الثوار ولصوص المال العام، و»ممثلين» و»ممثلات» أهدروا كل قيمة حتى بدا المجتمع المصري من خلالهم مجرد مجموعات من الأفاقين والمحتالين والشهوانيين والرقاصين على مسارح العراة! هؤلاء ال(حفنة) يظنون أن ائتلافاً كهذا قادر على الجنوح بمصر نحو الهاوية بسرعة الصاروخ، لكي يعتلوا هم قمة المشهد! ونسوا أن مصر ليست هي بضعة الآلاف المأجورة التي تحرق الممتلكات العامة والخاصة، وتغتصب الفتيات في شوارع القاهرة، بحجة «الثورة» على الإعلان الدستوري العبقري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، وحصن من خلاله مجلس الشورى المنتخب انتخاباً حراً نزيها من الشعب المصري، وكذلك الجمعية التأسيسية التي تشكلت من مجلسي الشعب والشورى المنتخبين من الشعب المصري، أي إنه حصن «اختيار الشعب المصري» من عبث العابثين الذي طال من قبل مجلس الشعب وحله في سابقة لم تحدث حتى في أدغال إفريقيا، وكان يريد أن يجهز على الجهتين المنتخبتين بعد الثورة: مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، ثم بعد ذلك يُعطِّل كل قرار للرئيس، فتظل مصر في حالة شلل تام، فيلعن الناس الثورة، بل ربما يطالبون ببعث النظام البائد من قبوره! هذا المخطط يعرفه الجميع في مصر، ولكن الجديد في المشهد أنه كشف وعرى المدعمين لرؤوسه التنفيذية، ومع الأسف اتضح أن جلهم من الذين صدعوا رؤوسنا بالحرية والديمقراطية وحقوق الشعب والقصاص لدماء الشهداء، وعندما أصدر الرئيس إعلاناً دستورياً يحقق هذه المطالب، أقاموا الدنيا لإلغاء هذا الإعلان، حتى إن أحدهم راح يستنجد بأمريكا! هم يتذرعون بأن الرئيس حينما حصن قراراته السابقة واللاحقة من الطعن عليها (لمدة أربعة أشهر قد تُختصر لشهرين فقط إذا استفتي على الدستور مع مطلع ديسمبر المقبل) جعل من نفسه فرعوناً، وأنه: من يضمن أن يصدر من القرارات ما يعرض أمن الوطن للخطر؟ أو ما يعتدي به على الحريات؟ أو ما يصفّي به حساباته مع أشخاص بأعينهم؟ حسناً: فلنحسن الظن بهذه (الستائر) الجديدة أيها (الوطنيون) وأفتونا: ماذا لو تعهد الرئيس الآن بعدم إصدار أي من هذه القرارات (ولا حتى غيرها) طيلة مدة هذا الإعلان الدستوري؟!