قبل عدة أيام وأنا أتصفح وكالة الأنباء السعودية فوجئت بالصور الجميلة التي بثتها عن معرض روائع المملكة الذي أقيم في واشنطن بتنظيم من هيئة السياحة، جمال هذه الصورة في كشفها لعالم من التماثيل كان غائباً عنا في مجتمعنا لفترات طويلة، وللأمانة فلم أكن أتوقع أن يكون هناك بقايا من هذه الآثار في بلادنا. الصور الموجودة تكشف أن هيئة السياحة -مشكورة- قامت بجهود ضخمة لجمع هذه الآثار والحفاظ عليها، وعنيت بها باعتبارها إرثاً إنسانياً وجمالياً لابد من الحفاظ عليه، والتذكير بوجوده بين فترة وأخرى، وفي هذا السياق خطر في بالي سؤالان جوهريان: الأول: لماذا لا نشاهد هذه الآثار والمنحوتات في متاحف ومعارض داخل السعودية؟ الثاني: هل هناك -مجتمعياً- مَن مازال يتشدد أمام هذه المنحوتات والآثار؟ للإجابة على السؤال الأول فإننا يجب أن نستدعي الآثار المحيطة بنا، في مصر هناك اعتزاز بالأهرامات فهي تحكي تاريخاً عميقاً من الإرث الإنساني، ومرحلة من مراحل التطور البشري، ولذا تم الحفاظ عليها والحرص على تحديثها وترميمها وأصبحت مزاراً للناس باعتبارها معلماً سياحياً، ولم يفكر الزوار يوماً في تقديسها أو التعبد بها؛ لأن العقل البشري اليوم أصبح يفكر ويدرك ويعرف الحقائق، ولم يعد يحتاج توجيهاً في زمن أصبحت الحقيقة متاحة للجميع. مشاهدة هذه الآثار في بلادنا ستجعل من السهل استذكار التاريخ الإنساني الذي مر على الجزيرة العربية، ومعه يتحول إنسان اليوم إلى تاريخه الذي قد يكون منفصلاً عنه، ولذا فإن الحاجة إلى فتح متاحف في الوقت الراهن أصبح أمراً يحتاج إلى إعادة نظر خصوصاً أن بلادنا لها من الإرث الإنساني مايجعل إقامة متاحف أمراً سهلاً. أتذكَّر زيارة قمت بها لمدائن صالح قبل ثماني سنوات وكان أول ما لفت نظري وجود دورية أمن تحرس الموقع وأظن أن الوقت حان أيضاً لوضع أمن خاص بالآثار، أعود لمدائن صالح فقد بهرتُ من الآثار الموجودة رغم العبث الإنساني فيها، وكنت كمواطن أرغب أن أشاهد ما هو أفضل. مجتمعياً، أظن أن لدينا عقدة كبيرة من الآثار، فمازلنا نصنفها أصناماً ونتخيل أن هناك عابدين لها، ونتذكر بعضاً من آراء تحرم زيارتها أو التقرب لها، وأظن أن هذه النظرة أو الرؤية قد أدت إلى تأخرنا كثيراً، لذا فإن تكريس ثقافة الآثار يحتاج إلى دمجها في مراحل التعليم والتعريف بها بدلاً من مشاهدتها تعرض في العالم.