يا لعاطفة العربي حينما تأكل عقله! ويا لصوته حينما يعلو على صوت المعركة! أقول هذا وأنا أستمع لصيحات الشباب في ميدان التحرير القاهري، وغيره من الميادين في مصر، وفي مختلف الميادين العربية: «ع القدس رايحين شهداء بالملايين»! مطالبين الحكومات العربية بفتح باب (الجهاد) لكي يحرروا القدسوفلسطين كلها! وإن لم يتحقق ذلك فهي حكومات خائنة عميلة باعت قضية فلسطين ولم يعد يعنيها المسجد الأقصى! لا يدرك هؤلاء أن للجهاد أصولاً وقواعد كل من يقرأ الواقع جيداً يعلم أنها غير محققة في وقتنا هذا، في ظرفنا هذا، في ضعفنا هذا، في قوة العدو هذا، ودعمه اللامحدود من أقوى دول العالم سلاحاً واقتصاداً وهيمنة…، وقل ما شئت! هؤلاء «الحنجوريون» لا ينظرون إلا أسفل أقدامهم، يظنون أنهم سيحملون سكاكين مطابخهم وسيعبرون الحدود بسلام ثم سيمد كل صهيوني عنقه بعد أن يكون قد حفر قبره بيديه! بعضهم قال إن تسعين مليون مصري لو ساروا على أقدامهم ودخلوا للكيان الصهيوني ثم بصق كل واحد من هؤلاء الملايين بصقة واحدة لأغرق هذا الكيان، ولتحررت فلسطين! نحن فالحون جداً في الكلام! ولكنه مع الأسف الكلام الذي يمنح العدو مزيداً من القوة؛ حينما يتأكد له أننا مازلنا مجرد ظاهرة صوتية، ولا يمنحنا إلا مزيداً من الضعف والهوان؛ إذ لا نملك إلاّ «سكينة مطبخ» أو بصقة في الهواء! هكذا يريدون أن يذهبوا للقدس (شهداء بالملايين)! ولكن من قال إنهم سيكونون -على النحو- شهداء؟! أيعقل أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة، ويخرجوا دون إذن ولي الأمر بالجهاد، ثم يُقتلوا قبل حتى أن يعبروا الحدود، ونقول إنهم شهداء؟! لا والله، إنهم ليسوا «شهداء بالملايين»، بل «قتلى بالملاليم»! نعم، فالرصاصة الإسرائيلية التي تقتل عربيا لا تساوي مليماً واحداً في ميزان الاقتصاد الصهيوأميركي، وستكون نكسة أخرى لن يمحوها الزمن! ليس معنى هذا أن نستسلم للاعتداءات الإسرائيلية على أهلنا في فلسطين، وليس معنى هذا أيضاً أننا ننسى قوله تعالى: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين»، ولكن هذا معناه أن نعد لهم ما استطعنا، ولا أعتقد أن «السكين» و«البصقة» قادرتان على دحر عدو يمتلك من السلاح ما يستطيع به هزيمة جيوش عربية لا جيش واحد! فلنترك إذاً للدبلوماسية دورها في إيقاف العدوان الصهيوني الهمجي على أهلنا في فلسطين، وإلى أن يمتلك العرب من السلاح لا أقول ما يكفي لهزيمة هذا العدو، بل ما يكفي لاستعداد فئة قليلة استعداداً حقيقياً يخرجها من دائرة الانتحار إلى دائرة الجهاد والاستشهاد، سيكون لكل حادثة حديث.