الربط بين الأدب والتربية له دلالاته وعلاماته في حياة الإنسان وتعليمه. ذلك لأن أصول التربية وأهدافها تعتمد اعتماداً كلياً في مناهجها، على ما يؤثر في الارتقاء بمستوى التفكير والعقل ورفع مستوى الثقافة والفكر لدى الإنسان، ومن هنا جاءت أهمية الاهتمام بثقافة الطفل ضمن مناهج التربية. أدب الأطفال له أساليبه ومفاهيمه، وله أيضا متخصصوه، وإذا كانت الكتابة لعقول الكبار تحتاج إلى مهارات إبداعية وفكرية، فإن الكتابة لعقول الصغار أكثر أهمية وتعقيداً. فليس من السهل تقديم نص أدبي أو فكري يتقبله الطفل، تكون لغته موصلة وعبارته موحية وبأسلوب فيه من التشويق والإثارة ما يرغب الطفل في التعليم ويحببه في القراءة. لا توجد هناك شروط يمكن تحديدها لمعاييرالكتابة للأطفال، نستنتج منها رؤى معاصرة، أو مفاهيم واضحة، هذا ما يجمع عليه الأدباء والمفكرون المتخصصون في مجال ثقافة الطفل، فهم يرون وفق رؤاهم الخاصة، وبناء على بحوث تضمنتها كتب عربية وأجنبية، نجد أنها تلغي نظرية ضرورة أن يكون أسلوب الكتابة للطفل سهلاً وواضحاً ومباشراً، لكي يتلاءم مع عقليته وتفكيره، ومراعاة سنين عمره، لأنها نظرية تُحد من عملية الإبداع والتنويع، واختراق الخيال. وهي في الواقع رؤية صائبة لفكرة خاطئة، فطفل اليوم ليس هو طفل الأمس، والأطفال الذين كانت تلهيهم حكايات جداتهم وقصص أمهاتهم، ليسوا هم أطفال اليوم، الذين يتميزون، بالنباهة والذكاء، بسعة الخيال، لذلك لا يقتنعون بفكرة ساذجة، أو حكاية مبالغ في أحداثها وشخصياتها، فعقول أطفال اليوم أصبحت منفتحة على آفاق أرحب وعوالم حاسوبية ورقمية لا حدود لها. ولأطفال هذا العصر مهاراتهم في استخدام التقنية. لذلك لا تخيفهم حكاية الغولة ولا تؤدبهم الأساطير الخرافية، لكننا نجدهم أكثر تعلقاً وإثارة بقصص الخيال العلمي والقوى الخارقة، وما يشحذ أذهانهم ويشعل تفكيرهم، ويبدو ذلك واضحاً من اهتمامهم ومتابعتهم لروايات الكاتبة الإنجليزية جوان كاثلين رولنغ هاري بوتر Harry Potter وما أنتجته استوديوهات هوليوود من أفلام سينمائية، تمتع الكبار قبل الصغار، وهي تثير فضولهم وتوسع خيالهم. وما يتلقنه طفل هذا العصر في محيطه الأسري ومدرسته، ليس هو بالقدر الذي يتلقنه ويتأثر به عبر وسائل الإعلام والتواصل الإلكتروني. وهنا تكمن صعوبة تربية وتعليم وتثقيف أطفال اليوم وترفيههم. فما هو مفهومنا المعاصر لأدب الطفل؟ سؤال يتحدد بالإجابة عنه ما يمكن اعتباره التعريف أو التوصيف الجديد لأدب الطفل. تؤكد النظريات والرؤى الجديدة لأدب الطفل وثقافته، بناء على دراسات وبحوث متخصصة في هذا المجال، أن المفهوم المعاصر لهذا اللون من الكتابة، يتلخص في أنه إبداع موجه لفئة لها خاصيتها العقلية والعُمرِية، ويتناسب مع قدراتها ومهاراتها، ومستوى تفكيرها ومداركها. وتتعدد ألوان هذا الإبداع أدبيا: نثراً وشعراً، وبوجه خاص القصة والمسرح، فمن خلالهما يمكن إيجاد منهج تربوي توجيهي لتثقيف وتعليم الأطفال، بما يحقق لنا هدف توسعة المدارك وشحذ الأذهان وإطلاق العنان للأفكار والأخيلة التي تؤثر فيهم فكرياً وتصقل مواهبهم وتنمي مهاراتهم، من خلال إبداع أدبي له سماته ومتخصصوه. في تاريخنا الأدبي كان يحظى أدب الأطفال، باهتمام أدبائنا الرواد، الذين كان لهم اهتمامهم بأدب الطفل وتجاربهم في تنمية ثقافته، وقد تركوا لنا، ما نهتم به في تراثنا الأدبي، من أثر وتجارب في أدب الطفل، منهم أساتذتنا الكبار طاهر زمخشري، عزيز ضياء، حسن القرشي، أحمد قنديل، أحمد السباعي، عصام خوقير، وسميرة خاشقجي. وكان الأستاذ الزمخشري أول من أصدر مجلة متخصصة لثقافة الطفل (مجلة الروضة) التي صدر العدد الأول منها في أكتوبر عام 1959م. كما كتب طاهر زمخشري وعزيز ضياء عدداً من أناشيد الأطفال التي خاطبت وجدان أطفالنا وأثرت في ثقافتهم. ولم يتوقف الاهتمام بأدب الطفل عند أدباء الجيل الأول في أدبنا السعودي، إذ اهتم أدباء الجيل المعاصر بثقافة الطفل ولهم إنتاجهم القصصي المؤثر، الذي يتفق مع ذهنية وقدرات طفل هذا العصر، منهم الأدباء: عبده خال، يوسف المحيميد، عبدالعزيز الصقعبي، محمد علوان، خيرية السقاف، شريفة الشملان، فريدة فارسي وغيرهم. لكن السؤال الأهم، ما الذي نجده في مناهجنا التربوية، ووسائل الإعلام ومؤسساتنا الثقافية، من رؤى معاصرة، وبرامج ثقافية متطورة، نجد أنها مشروع حقيقي لثقافة أطفال هذا الجيل؟ إن التربية والتعليم والإعلام والثقافة منظومة مهمة، من خلال جهودها المتكاملة والمتناسقة، في تنويع البرامج بما يتناسب مع ثقافة العصر، ننجح فيما نخطط له ضمن استرتيجية مستقبلية لثقافة أطفال واعين ومبدعين.