يبدو أن العرب يمتلكون ذاكرة ضعيفة، أو أن كثرة المآسي والمحن التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية أفقدتهم الإحساس بمعاناة النازحين السوريين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم، الذين تركوا خلفهم كل ممتلكاتهم ولم يحملوا إلا أجسادهم المثقلة بالهموم والأحزان، بعد أن ظنوا أن الخروج من ديارهم لأيام قليلة ثم يعودون لاستئناف حياتهم الطبيعية، ولكن هذه الأيام تحوّلت إلى شهور، وقد تستمر لسنوات في حال استمرت الأممالمتحدة والدول الغربية في موقفها السلبي واللامبالي من القضية السورية. معاناة اللاجئين السوريين الفارين للأردن ابتدأت منذ لحظة وطئت أقدامهم أرض مخيم الزعتري، فالمخيم المقام في منطقة صحراوية شديدة الحرارة يفتقر للحد الأدنى من المقومات الحياتية والإنسانية الطبيعية، فلا مياه صالحة للشرب، ولا كهرباء، ولا خدمات صرف صحي كافية، ما أسهم في انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين، وقد وصف الدكتور علي الضلعي النائب السابق في البرلمان الأردني، مخيم الزعتري بأنه “غير صالح للاستخدام البشري”، فالحياة في هذا المخيم الصحراوي الذي يفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية للحياة الكريمة مستحيلة، فالخيام البالية المنتشرة في أرجائه لا تقي من حرارة الشمس المرتفعة ولا الغبار المتطاير الذي حوّل حياة سكان المخيم إلى جحيم، بالإضافة إلى افتقار المنطقة للبنى التحتية، فالمكان لا يصلح لأن يكون مأوى للحيوانات فما بالكم بالبشر؟! ومع اقتراب فصل الشتاء ستزداد معاناة اللاجئين، ما يستوجب نقلهم لموقع آخر أفضل من الموقع الحالي، أو تزويدهم بوحدات متنقلة، فالنازحون ينتظرون من العالم وخاصة العرب دعمهم ومساندتهم في هذه الظروف العصيبة حتى انفراج الأزمة وعودتهم إلى ديارهم. قسوة الظروف التي يعيشها النازحون داخل المخيم دفعت بكثير منهم للتفكير بالعودة إلى سوريا، فالموت على يد الشبيحة أو بقذائف قوات بشار الأسد –من وجهة نظرهم- أفضل من الموت البطيء داخل المخيم حيث العزلة والبؤس والمصير المجهول، فاللاجئون لم يهربوا من بطش بشار وأعوانه حتى يكونوا أشبه بالأسرى في مخيم صحراوي ومعزولين عن العالم الخارجي. ومن أجل كسر هذه العزلة والهروب من جحيم المخيمات اضطرت بعض العائلات النازحة إلى تزويج بناتها وبعضهن قاصرات من أيٍّ كان وبلا شروط، وتحت مسمى زواج السترة “تباع” اللاجئة في المخيمات المنتشرة في الدول العربية بمبالغ بخسة، ما يعيد للأذهان حالة أقرب إلى عبودية العصور الغابرة.