يهدف معرض”أوراق من ذاكرة فلسطين” في غزة إلى إظهار حق الفلسطينيين في أرضهم من خلال عشرات المخطوطات والوثائق التاريخية التي توثق لمعاملات خلال فترات زمنية مختلفة، من مخطوطة تعود إلى القرن الرابع عشر، مروراً بشهادة ولادة تربو إلى أكثر من مئتي عام، وصولاً إلى عقود تجارية في القرن الماضي. وأقيم المعرض الذي نظمته وزارة السياحة والآثار في حكومة حماس، في قاعات عتيقة في متحف “قصر الباشا” في القلعة التي يسميها بعضهم “قلعة نابليون بونابرت” وسط مدينة غزة، وهو يضم أكثر من مئتي وثيقة ومخطوطة، إضافة إلى عدد قليل من المخطوطات المنقوشة على حجارة صخرية متنوعة. وتعود أقدم مخطوطة على عمود صخري إلى العام 686 للهجرة، أي القرن الرابع عشر ميلادي، وهو لأحد الأمراء العثمانيين “جمال الدين أرقوش أمير علم الملك الظاهر”، وقد عثر عليه في بقايا مقبرة قديمة في خان يونس في جنوب قطاع غزة. وعرضت شهادة ميلاد لفلسطينية تدعى زهوة مؤمن عودة في العام 1790 من سكان محطة الدرج القديمة في شرق مدينة غزة. ويفخر الفلسطينيون أن لديهم قوانين أساسية لجمعيات أهلية منذ مئات السنين. ففي صندوق زجاجي، وضعت نسخة من القانون الأساسي لجمعية التوحيد التي تعود إلى بداية القرن التاسع عشر، وبجانبها نسخة لعقد تجاري بين تجار فرنسيين وتجار غزة مذيل بتاريخ عام 1934. ويؤكد وزير السياحة والآثار في حكومة حماس علي عبدالعزيز الطرشاوي أن عرض الوثائق والمخطوطات التاريخية في المعرض الذي يحمل اسم هو “إثبات حقيقي للعالم أجمع أن أبناء فلسطين هم الأصحاب الحقيقيون لهذه الأرض”. ويضيف “هو أكبر دليل على عراقة هذه الأرض وحضارتها، وهو نتاج للتراث والحضارة الإنسانية التي تعاقبت على أرض فلسطين”. ويتكون المعرض من أربع زوايا، زاوية الوثائق والأوراق القديمة، وتضمنت عقوداً وشهادات قانونية وشهادات البيع والشراء المكتوبة بخط اليد، وعدداً من طوابع البريد والجنيهات الفلسطينية المتداولة خلال فترتي الحكم العثماني والانتداب البريطاني، وزاوية المخطوطات الكتابية التي تضمنت عدداً من المخطوطات الكتابية الحقيقية، وأخرى تعود لعصور تاريخية مختلفة، وزاوية المخطوطات المنقوشة على الحجر كنقوش تأسيسية لمبان أثرية قديمة ونقوش خاصة بالأضرحة والمقابر الإسلامية. أما الزاوية الأخيرة فهي عرض مرئي للمخطوطات الأثرية القديمة التي تناقش مواضيع مختلفة. وعرضت وثيقة إذن بيع أراض صادرة عن الكنيسة الأرثوذكسية في بئر السبع عام 1925. وعلى جدار قاعة المتحف في الطابق الأرضي عرضت خرائط بعضها بخط اليد لبئر السبع ومخفر شرطتها تعود لعام 1923 إلى جانب خارطة تقسيم فلسطين العام 1937 والتي تحمل توقيع بلدية يافا. ويؤكد الباحث في الأديان والحضارات فاخر شريتح أن منطقة بئر السبع “كانت تقع ضمن حدود قطاع غزة قبل الاحتلال الإسرائيلي العام 1948″، مشدداً على أن عرض هذه الوثائق التاريخية أمام الجمهور “يعزز الثقة في نفس الفلسطيني بانتمائه لأرضه، وأن له تاريخاً وتراثاً وحضارة يستحق الفخر بها”. ويشكو عدد من الزوار بينهم شريتح من “نقص في المعلومات حول بعض المعروضات”، ويقول “لفت انتباهي أن أوانٍ فخارية قديمة جداً تعرض بدون شروحات كافية”. وفي زاوية مدخل الطابق الثاني، وضع حجر كبير نقش عليه صليب يشير إلى الحقبة البيزنطية. وقالت المرشدة في المتحف هيام أبو الهطل “يبدو أن هذا الحجر كان يعلق في سقف مدخل منزل أحد الرهبان في غزة”. ويعتبر الطرشاوي ان هذا المعرض يندرج “ضمن خطة استراتيجية تهدف لتحقيق تنمية سياحية شاملة ومستدامة وتعمل على خلق جيل واع ومثقف بحضارة آبائه وأجداده”. وتبين وثيقة لفواتير مالية صادرة العام 1941 أن شركة تدعى “أسكوني فالكوم أويل الأمريكية” كانت تعمل في فلسطين. والتف عدد من تلاميذ المرحلة الابتدائية حول وثيقة جواز سفر لمواطنة تدعى آمنة عبد القادر اللحام صدر عن حكومة عموم فلسطين العام 1944، إضافة إلى وثيقة عقد زواج العام 1969 للشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس الذي اغتالته إسرائيل العام 2004. وتم الحصول على عدد من الوثائق المعروضة من مؤسسات حكومية وأهلية، ومن أفراد لديهم مقتنيات شخصية، ومن مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني، وفقاً لمسؤولي المعرض. وزار هذا المعرض مئات من الشخصيات والباحثين وطلبة الجامعات والمدارس، وكان المسؤولون عن المعرض يأمل أن يزوره أيضاً باحثون ومتخصصون أجانب، وقد وجهت دعوات لمؤسسات أوروبية عديدة. ويتهم شريتح إسرائيل ب”سرقة كبيرة للآثار في فلسطين، ومن غزة قبل الانسحاب” منها العام 2005، موضحاً أن الوثائق والآثار بغزة “بحاجة ماسة للحفاظ عليها وحمايتها من التلف والاندثار، وهذا يتطلب الاستعانة بمختصين وخبراء أجانب مثل منظمة اليونسكو”. أ ف ب | غزة