لقد هَمَمَتُ بأمرِ سوءٍ؛ إذ سوَّلَت لي نفسي اجتراحَ أَسطرٍ معدودةٍ أضعها بينَ يَدي هذهِ النصوصِ، لولا أنّي رأيتُ برهانَ ضعفي: “تديّنَاً وفقهاً” بحسباني مِن مخرّجاتِ هذا العصر دراسةً وممارسةً. وعليه فلم أشأْ كتابةَ شيءٍ مخافةَ أنْ تذهبَ أسطري ببهاءِ هذه النصوص: – ( لقد نفع اللهُ باختلافِ أصحابِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أعمالِهم، لا يعمل العاملُ بعملِ رجلٍ منهم إلا رأى أنّه في سَعَةِ، ورأى أنّ خيراً منه قد عَمِلَ عملَهُ) القاسم بن محمد بن أبي بكر. – ( ذكر ابنُ تيميّةَ: أنّ رجلاً صنّفَ كتاباً في الاختلافِ فقال أحمدُ: لا تُسمِّه كتابَ الاختلافِ، ولكن سمّهِ كتابَ السّعَةِ) – ( من أتى شيئاً مختلفاً في تحريمِه إن اعتقَدَ تحليلَه لم يجزْ الإنكارُ عليه؛ إلا أن يكونَ مأخذُ المُحَلّلِ ضعيفاً) العز بن عبدالسلام. – ( إذا لم يكن في المسألةِ سنةٌ ولا إجماعٌ وللاجتهادِ فيها مساغٌ لم تُنكِرعلى من عملً فيها مجتهداً أو مقلدا.) ابن القيم. – (فإذا كان الاختلافُ على وجهِ لا يُؤدي إلى التَّباينِ والتَّحزُبِ وكلُّ من المختلفين قصدُه طاعةَ الله ورسولِه لم يَضرَّ ذلك الاختلافُ فإنَّه أمرٌ لا بُد منه في النشأةِ الإنسانيةِ؛ لأنَّه إذا كان الأصلُ واحداً والغايةُ المطلوبةُ واحدةً والطريقةُ المسلوكةُ واحدةً لم يَكد يقع اختلافٌ، وإنْ وقعَ كان اختلافًا لا يضرُّ كما تقدمَ من اختلافِ الصحابةِ) ابن القيم. – ( فكلُّ مسألةٍ حدثت في الإسلامِ فاختلف الناسُ فيها ولم يورّث ذلك الاختلافُ بينهم عداوةً ولا بغضاءَ ولا فرقةً علمنا أنها من مسائلِ الإسلامِ، وكلُّ مسألةٍ طرأت فأوجبتِ العداوةَ والتنافرَ والتنابزَ والقطيعةَ علمنا أنها ليست من أمرِ الدينِ في شيء ٍ..)الشاطبي. – (وأُمرِنا بالعدلِ والقسطِ فلا يجوزُ لنا إذا قالَ يهوديٌّ أو نصرانيٌّ فضلاً عن الرافضيِّ قولاً فيه حقٌّ أن نتركَه أو نردّه كلَّه) ابن تيمية. – ( كلامُ الأقرانِ بعضُهم في بعضٍ لا يُعبأُ به، لاسيما إذا لاحَ لك أنه لعداوةٍ أو لمذهبٍ أو لحسدٍ، ما ينجو منه إلا مَن عَصمَ اللهُ، وما علمتُ أنّ عصراً من الأعصارِ سلِمَ أهلُه من ذلك، سوى الأنبياءِ والصديقين، ولو شئتُ لسردتُ من ذلك كراريسَ، اللهم فلا تجعلْ في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم) الذهبي. – (وإذا كَانَ قَوْمٌ عَلَى بِدْعَةٍ أَوْ فُجُورٍ وَلَوْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَرٌّ أَعْظَمُ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ مَنْعُهُمْ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّهْيِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ.) ابن تيمية. – (ولو أنا كلّما أخطأَ إمامٌ في اجتهاده في آحادِ المسائلِ خطأً مغفوراً له قُمنا عليه وبدّعناهُ، وهجرناه، لما سَلم معنا ابن نصرٍ، ولا ابن مَندةَ، ولا من هو أكبرُ منهما، والله هو هادي الخلقِ إلى الحقِّ، هو أرحمُ الراحمين، فنعوذ باللهِ من الهوى والفظاظةِ) الذهبي. – (وليس في ذكرِ كونِ المسألة قطعيةً طعنٌ على مَن خالفها من المجتهدين كسائرِ المسائلِ التي اخْتَلَفَ فيها السلفُ، وقد تيقنّا صحةَ أحدِ القولين. مثل كونِ الحاملِ المتوفّى عنها زوجُها تعتدُّ لوضعِ الحملِ، وأنّ الجماعَ المجرّد عن الإنزالِ يوجبُ الغسلَ، وأنَّ ربا الفضلِ حرامٌ، والمتعةَ حرامٌ) ابن تيمية. – (ما رأيت أحداً أعقلَ من الإمامِ الشافعي.. ناظرتُه يوماً في مسألةٍ ثم افترقنا ولَقيني فأخذَ بيدي ثم قالَ: يا أبا موسى.. ألا يستقيمُ أن نكونَ إخواناً وإن لم نتفقْ في مسألةٍ) عبد الأعلى الصدفي أحد أصحاب الشافعي. -(ليس لقدَمِ العهدِ يُفضّل القائلُ، ولا لحدثانِه يُهتضمُ المصيبُ، ولكن يُعطى كلٌّ ما يستحقُّ) المبرد. – (وقال رجلٌ للإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ إنّ ابنَ المباركِ قال كذا فقالَ: إنّ ابنَ المباركِ لم ينزلْ من السماءِ) ذكره صاحبُ الفروعِ في الفقه الحنبلي. – (العالِم يزِلُّ ولا بُدَّ، إذ لَيسَ بمعصومٍ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله، ويُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض، و حرَّموه، وذمُّوا أهلَه) ابن القيم. – (ومن نَصبَ شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقتِه في القولِ والفعلِ فهو من الذين فرّقوا دينَهم وكانوا شِيعاً، وإذا تفقّه الرجلُ وتأدّبَ بطريقةِ قومٍ من المؤمنين مثل أتباعِ الأئمةِ والمشايخِ؛ فليس له أنْ يجعلَ قدوتَه وأصحابَه هم المعيارُ فيوالي من وافقَهم، ويُعادِي من خالَفَهم، فينبغي للإنسانِ أنْ يُعوّدَ نفسه التفقه الباطنَ في قلبهِ والعملِ به فهذا زاجرٌ) ابن تيمية. – (ويحتملُ أنَّ هذه الطائفةَ المنصورةَ تفرّقت بين أنواعِ المؤمنين منهم شجعانٌ مقاتلونَ ومنهم فقهاءُ ومنهم محدثونَ ومنهم زهادٌ وآمرون بالمعروفِ وناهونَ عن المنكرِ ومنهم أهلُ أنواعٍ أخرى من أهلِ الخيرِ، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعينَ بل قد يكونونَ متفرقينَ في أقطارِ الأرضِ) النووي. – (إنّ العدلَ واجبٌ لكلّ أحدٍ، على كلِّ أحدٍ، في كلّ حالٍ، والظلمُ محرّمٌ مطلقاً لا يُباحُ بحالٍ) ابن تيمية. – (مَن أفتى النّاسَ بمجردِ المنقولِ من الكتبِ مع اختلافِ أعرافهم وأزمانِهم وأمكنتِهم فقد ضلَّ وأَضلَّ وجنايتُهُ أعظمُ ممن طبّبَ الناسَ مِن كتبِ الطّبِ) ابن القيم. لئن كانَ سلفنا كذلك فبأيّ شيءٍ قد خلفناهم!؟ وأيُّ تديّنٍ هذا الذي نحنُ عليه؟! ومِن الذي صاغَ لنا فقهياتِ:”أدبِ اختلافنا”؟! وهل يصحُّ انتسابنا للسّلفِ إذا ما كان منهجهم كذلك فيما نحن ملتاثونَ بالمخالفات قولاً وعملاً؟!ويجب ألا نمضي بعيداً في اشتغالنا على تجريمِ السياسةِ والليبراليةِ وأمريكا والشيطانِ حتى!! ذلك أنّ ما نشهدُهُ مِن خذلانٍ وخورٍ لم يأتِنا إلا مِن قِبلِ أنفسنا!! غيرَ أن كثيرين يخشونَ خسارةَ مكتسباتِهم الدنيويّةِ فآثروا: “الصمتَ”!