جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية رحمه الله الرياض – واس أجمع عدد من الساسة والمفكرين والمؤرخين في العالم على نجاح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ومن بعده أبناؤه الملوك في إقامة الدولة الحديثة في المملكة العربية السعودية والمجتمع المدني المتحضر الذي يجمع بين الشريعة الإسلامية والعلم والاقتصاد والمعرفة. واستعرضوا في رؤية تصورية مناقب وإنجازات الملك عبدالعزيز، كونه أنموذجاً بارزاً وقدوة في السياسة والحنكة والقيادة بتطبيق الشريعة الإسلامية السمحة القائمة على عقيدة صحيحة وفهم سليم ونية صادقة، مقرونة بما عرف عنه من حلم وأناة وحكمة وقوة في الحق. فقد قال مفتي الديار المصرية الأسبق، الشيخ محمد حسنين مخلوف، الحائز على جائز الملك فيصل العالمية: أسس عبدالعزيز ملكاً شعاره كلمة التوحيد الخالص، وأساسه إعزاز الإسلام، وأهدافه إسعاد الأمة التي لبثت دهوراً ترزح تحت أثقال الظلم والجبروت، وتعاني أقسى الشدائد، وشر ضروب الفوضى، بل عمل على إسعاد المسلمين الوافدين من أقطار المعمورة لزيارة بيت الله المعظم ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، وتأمين السابلة في جميع أنحاء المملكة تأميناً منقطعاً في جميع ممالك العالم، حتى أصبح مضرب الأمثال، وعنوان الملك العادل. وأضاف: عندما أعاد الملك عبدالعزيز تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في أرجاء الجزيرة حقق لمجتمعها ما كان يفتقده من الأمن والاستقرار، وقدم أنموذجاً حياً لصلاحية هذا التطبيق، ونتائجه الملموسة التي تحدثت عنها كثير من الشهادات الصادقة. وكان لرئيس جامعة الأزهر الأسبق، الدكتور محمد الطيب النجار – رحمه الله – حديث عن استتباب الأمن على يدي الملك عبدالعزيز، حيث قال: حسبه أنه استطاع أن يحول المملكة إلى الأمن والاستقرار الشامل الذي صار مضرب الأمثال، وحديث القرون والأجيال، ولا غرو فقد قام بتطبيق الشريعة الإسلامية وأقام الحدود المشروعة، فلم تأخذه في الحق لومة لائم، ولم يفرق بين شريف وضعيف، بل تأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن الحرب على من يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فساداً. وأرجع أحد المؤرخين الغربيين أسباب العدالة في عهد الملك عبدالعزيز إلى اعتمادها على الشريعة، حيث قال وليمز أرمسترو نج: العدالة في مملكة إبن سعود قائمة على أساس الشرع الشريف، وهو القانون المقدس عند المسلمين، وهو ذلك القانون المرن الحكيم. وأشار إلى أن سياسة الملك عبدالعزيز لم تغفل أمر الشورى، ونجح في تحقيق أنموذج عملي مطبق للشورى لأول مرة في العصور الحديثة، فاجتمع حوله كوكبة من أهل الرأي والعلم والفضل المشهود لهم في عصره. ومن جانبه، قال الشيخ إبراهيم محمد سرسيق، وهو أحد علماء الأزهر: ما كان للملك عبدالعزيز الذي أقام مملكته على دعامة الإسلام أن يغفل أمر الشورى، ولاحظنا الحرص الشديد منه على إحقاق الحق بين رعيته وإزهاق الباطل، مهما كان نوع هويته، وأدركنا تعلقه بالشورى في أكثر قراراته وتصرفاته، لاسيما ما كان منها متعلقاً بالجموع الغفيرة من المسلمين، وما كانت مجالسه اليومية التي يحشد لها العلماء والخبراء وأهل الرأي والنظر من خاصته إلا معارض لإبداء الرأي الحر في غير مخافة ولا تردده. وأضاف “إن معركة التنمية التي خاضها الملك عبدالعزيز لم تقل في أهميتها وخطورتها، كما قال معاصروه عن معركته في استرداد الرياض إن لم تكن تفوقها أهمية وخطورة فقد كانت الجزيرة العربية قبل أن يوحدها الملك عبدالعزيز تعيش في عزلة تامة عن العالم المتقدم يمزقها الفقر والجهل والمرض إلى أن أرسى الملك عبدالعزيز دعائم المملكة العربية السعودية فكانت التنمية والتطور. وعرف الملك عبدالعزيز أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه في تحقيق التحضر والوحدة والأمن والتقدم لهذه المملكة يكمن في الانتقال بها من حياة البداوة إلى حياة الحضارة، من خلال منظومته في الحكم، والتربية والتعليم، والزراعة، وحفر الآبار، وتحقيق الارتباط بالأرض والمكان بواسطة الارتباط بمصالح معينة معيشية، وقد أعد رحمه الله لذلك كل متطلبات النجاح. وقال السياسي البريطاني أنتوني ناتنج في سياق حديثه عن إنجازات الملك عبدالعزيز التنموية، نجح الملك عبدالعزيز في تحويل مجتمع الجزيرة العربية من قبائل مقتتلة إلى شعب يعي معنى المواطنة والاستقرار والتحول من طور البداوة والرعي والارتحال إلى الزراعة والأسرة، كما نشر روح المعرفة وطلب العلم، بل وتطوير مفاهيم مجتمع برمته والانتقال به من التخلف إلى مرحلة جديدة تماماً من الحضارة البشرية رقياً وتقدماً. وأشار إلى أن الملك عبدالعزيز أدرك بحسه أن الاستقلال التام لدولته يتطلب الاعتماد على الذات في الغذاء أولاً فحرص على بذل الجهد لتوفير المياه للزراعة، وحقق في ذلك نجاحاً استقطب أكبار معاصريه من المفكرين. وتناول المؤرخ الإنكليزي، كنت وليمز، اهتمام الملك عبدالعزيز باستثمار وإصلاح وزراعة الأراضي الجرداء بالمملكة، قائلاً: إن الجهود التي يبذلها ابن سعود في استثمار هذه الأراضي الجرداء هي فوق قدرة البشر، كما تناول اهتمام الملك عبدالعزيز بالتعليم، وقال: إبن سعود يقدر أكثر من غيره أنه بعد أن يوفق في تحضير البدو وترغيبهم في الزراعة وحرث الأرض ينبغي له أن ينشر التعليم وهو ما فعله مع شعبه. وأضاف على هذا الجانب المؤرخ ارمسترو نج، حيث قال إن الملك عبدالعزيز أنشأ المدارس في كثير من القرى، وتعاقد مع عدد من المدرسين من سوريا ومصر، الذين كانوا يدرسون المواد الشرعية والتطبيق العملي لهذه الدراسة في الحياة. وأضاف إليها القليل من التدريب على الأمور الدنيوية والفنية. فلما جاء الملك عبدالعزيز وأراد النهوض ببلاده كان لابد أن يعنى بصحة الإنسان الذي يعد عماد التنمية الأول، وبدأ بتطبيق الطب الحديث على نفسه حينما عالج طبيب أمريكي إحدى عينيه. وتوسع بعدها في استخدام الطب الحديث فأقام أربع مستشفيات سعة كل منها 400 سرير، وأربع محطات للعمليات الجراحية، سعة كل منها خمسة وعشرون سريراً، كما أدخل التطعيم ضد الجدري، ونشر المصحات والمستشفيات المتنقلة والصيدليات والمستوصفات، وشجع المواطنين على اتخاذ الاحتياطات الصحية والأساليب الحديثة للوقاية من الأمراض. ولم تكن هذه العناية مقصورة على المواطنين وحدهم، وإنما كانت أيضا ميسرة لحجاج بيت الله الحرام، وترك هذا أثره مع استخدام مياه الشرب النقية التي وفرها الملك عبدالعزيز للحجاج في تخفيض عدد الوفيات بين الحجاج. كما تحدث الكثير عن جهود الملك عبدالعزيز في إنشاء أساس صحي في المملكة، ومن هؤلاء أرمسترونج، حيث قال: الملك عبدالعزيز أنشأ عدداً من المستشفيات، وأرسل صيدليات ومستشفيات متنقلة بين القبائل والقرى كانت تضم الأطباء الذين يرشدون الناس إلى استخدام الأدوية البسيطة. وعند الحديث عن وسائل المدنية الحديثة في عمومها، وسعي الملك عبدالعزيز للاستفادة منها، وتسخيرها لصالح الأمة، فقد أدرك رحمه الله أن الذي يعيش هذا العصر لابد أن يأخذ بوسائله، وأدرك أن معركة التحديث والتطوير صعبة قاسية ولكنه صمم على خوضها مهما كانت النتائج، وقد خاضها بكل اقتدار، ولم يفرط في مبدأ واحد من مبادئه، فقد كان يعي تماماً ما الفرق بين الوسائل المادية والقيم الروحية، وكان على يقين أنه من الممكن أن تأخذ بكل وسائل العصر المادية، دون أن تفقد من خصوصيتك شيئاً، ومن هنا راح يخوض معركة الأصالة والمعاصرة بكل قوة، ومضى بثبات في مسيرة اللحاق بركب العصر. وقال المؤرخ الألماني داكوبرت فون ميكوش: أثبت ابن سعود أن بالإمكان إدخال وسائل الحياة الحديثة إلى الصحراء مع مراعاة عادات شعبه وتقاليده وتفكيره. الرياض | واس