كانت منطقة الباحة من أوائل المناطق التي حظيت بدخول التعليم النظامي إليها حيث كان إنشاء أول مدرسة ابتدائية فيها عام 1353ه في الظفير، وبلغ عدد طلابها (150) طالباً يقوم بتدريسهم ثلاثة معلمين، وتوالى بعد ذلك إنشاء المدارس في المنطقة مع تزايد الإقبال على التعليم، إلا أن حركة التعليم كانت بطيئة في بدايتها إذ كان يتم إنشاء مدرسة واحدة كل ثلاث سنوات في الفترة ما بين 1353ه و1367ه، وقد اعتبر هذا البطء طبيعياً نظراً للظروف التي كانت تمر بها المملكة في البداية، والإمكانات القليلة التي تتوفر فيها، وما بين عامي 1368ه و1372ه بدأت الأوضاع تتحسن، وأخذت حركة التعليم نوعاً أفضل من النمو حيث صار يتم إنشاء ثلاث مدارس في كل عام، واعتبرت هذه المرحلة أفضل بكثير من سابقاتها خاصة وقد وصل عدد المدارس في المنطقة إلى عشرين مدرسة، تشرف عليها مديرية المعارف العامة، وتتوزع على مدن وقرى المنطقة. وبعد تحويل مديرية المعارف إلى وزارة وإسناد مهامها إلى الأمير فهد بن عبدالعزيز كان ذلك بمثابة الإعلان عن انطلاق النهضة التعليمية في المملكة، وفي منطقة الباحة كانت أولى ثمار هذه النهضة أن أصبح عدد المدارس التي تنشأ في كل عام ستة مدارس، كما أنشئت في عام 1374ه معتمدية التعليم في المنطقة للإشراف على المدارس وتنظيم حركة التعليم، ثم تطويرها في عام 1377ه إلى إدارة التعليم، وقد بلغ عدد المدارس الابتدائية في المنطقة (51) مدرسة تغطي معظم المنطقة، لابد من الملاحظة هنا أن اكتشاف النفط وبدء تصديره كان وراء هذه النقلة النوعية في حركة التعليم، مقارنة بالفترة السابقة التي كانت فيها ظروف البلاد الصعبة والوضع الاقتصادي الضعيف يحولان دون تحقيق أي إنجاز مهم على الصعيد التعليمي بالدرجة الأولى، إضافة إلى أن العناصر الوطنية المؤهلة للتعليم لم تكن موجودة، لذلك كان التوجه إلى الاستعانة بالخبرات التعليمية من الدول العربية الشقيقة هو الطريقة الأفضل لمواجهة التطور في إنشاء المدارس وزيادة عدد الطلاب. وكانت النظرة البعيدة المدى هي التي تتحكم في اتخاذ القرارات التعليمية في تلك الفترة، وتعتمد هذه النظرة على إعداد القوى البشرية والوطنية وتأهيلها للقيام بمسؤولياتها التعليمية بدلا من الخبرات التعليمية العربية التي تمت الاستعانة بها، وكان إنشاء أول معهد لمعلمي المرحلة الابتدائية في منطقة الباحة عام 1376ه على مستوى الشهادة المتوسطة في قرية عرا في بني ظبيان، وعام 1378ه تم افتتاح معهد المعلمين في بلجرشي، ثم في عام 1380ه افتتح معهد المعلمين في الظفير والأطاولة، وفي عام 1390ه افتتح معهد إعداد المعلمين الثانوي في الباحة، وقد استطاعت هذه المعاهد تخريج المعلمين لمختلف المراحل الدراسية وزاد عدد منهم عن حاجة المنطقة مما أدى إلى إرسالهم إلى مناطق المملكة الأخرى، وبذلك تكون منطقة الباحة قد ساهمت بصورة مباشرة في سعودة التعليم خاصة أن التعليم الابتدائي قد تمت سعودته في المنطقة بنسبة (100%) في العام الدراسي 1397ه/1398ه وكانت بذلك المنطقة الأولى في المملكة التي تحقق هذا الإنجاز. ومع بداية تطبيق الخطط الخمسية التنموية في المملكة اعتباراً من عام 1390ه صار ينظر للتعليم من خلال الحاجة الفعلية إلى المدارس ومواقعها بما يحقق الفائدة الكاملة بعد إجراء الدراسات الدقيقة، ولم تعد عملية نشر التعليم تقتصر على المدن والقرى الكبيرة، وإنما بدأت التحرك باتجاه الهجر الصغيرة البعيدة والبادية، حيث كان مشروع توطين البادية الذي أقره جلالة الملك عبدالعزيز قد وضع موضع التنفيذ الفعلي، لذلك نجد أنه مع بداية الخطة الخمسية التنموية الأولى في عام 1390ه بدأ التطبيق العلمي العملي لنتائج الدراسات والبرامج والخطط التعليمية التي وضعت لتشجيع وتوسعة وتطوير المرافق التعليمية من خلال تنفيذ برامج التعليم الإلزامي في المرحلة الابتدائية، حيث يتم استيعاب جميع الذين يبلغون سن الدراسة في المدارس الابتدائية التي يتم إنشاؤها بالتدرج لتغطية الحاجة مع محاولة إلحاق كافة المتخرجين من المرحلة الابتدائية في المرحلة المتوسطة. وكانت الخطوات الأولى في منطقة الباحة افتتاح أربع مدارس ابتدائية في قرى القهاد، المصرخ، غيلان، والعويرة، في السنة الأولى للخطة الخمسية، وفي السنة الثانية افتتاح ست مدارس في قرى العصاغير، المشارق، المزرعة، الحناديد، الحبارى، وآل فاضل، وفي العام الثالث افتتحت ثماني مدارس في قرى آل سرور، الأزاهرة، بني سعيد، العيص، الفرشة، مراوة، المشايعة، ومنحل، وفي سنتين أخريين كان الاتجاه نحو افتتاح مدارس في هجر البادية، حيث نالت هجر الباحة ست مدارس وزعت على هجر الربوة، جرب، وراخ، الفيض، الحشرج، وبني كبير، وقد كان لافتتاح هذه المدارس الست في مضارب البادية وموطن رعاة الماشية الأثر الكبير في التأكيد على تنفيذ برنامج توطين البادية واستقرارهم، وفي إحداث نقلة اجتماعية وبيئية واقتصادية وفكرية شاملة في حياة سكان البادية الذين يعانون من عدم الاستقرار والترحال المستمر طلباً للماء والكلأ، حيث بدأوا يعيشون نوعاً من الاستقرار والارتباط بالأرض، واعتبرت المدارس بوابة العبور إلى حياة جديدة، خاصة وأنها أصبحت تفتتح أبوابها في المساء للآباء والأبناء الكبار الذين لم تتح لهم فرصة التعليم من قبل ليتعلموا ويخرجوا من دائرة الأمية والجهل. وفي الخطة الخمسية التنموية الثانية تم افتتاح ثلاث وعشرين مدرسة ابتدائية، وثلاث مدارس لتحفيظ القرآن غطت معظم القرى والهجر والمجموعات السكنية والجهات التي لم تغط من قبل، وشملت هذه التغطية قرى غامد وزهران في السراة وما تبقى من هجر البادية وهي: بني عمران، الجنش، حظوة، آل سلمان، الحدب، حميم والمولد، اللغاميس، مهد عشرة، والسوسية الآثمة، وافتتحت مدارس تحفيظ القرآن في بلجرشي، بني ظبيان، والأطاولة. وتستكمل وزارة المعارف تغطية جميع القرى والهجر والمواقع في منطقة الباحة في الخطة الخمسية الثالثة، مع اتخاذ خطوات جديدة لتشجيع الإقبال على العلم، فعملت على توفير وسائل الانتقال الحديثة، وصرف الإعانات والوجبات الغذائية للطلاب الذين ينتقلون من منازلهم وقراهم إلى القرى القريبة منهم التي توجد فيها مدارس حديثة وقريبة وبالمجان، وشملت المدارس هجر البادية كرى، صخوان، تربة الخيالة، الحائط، الجنابين، ثراد، نبهان، الملليح، المزرع، الجاوة، البعيثة، المشيريف، وجناب شكر. ويعتبر توقف إنشاء المدارس في الخطة الخمسية التنموية الرابعة دليلاً واضحاً على الاكتفاء الذي تم في قرى وهجر المنطقة بالمدارس الابتدائية بعد توزيعها على أنحاء المنطقة توزيعاً جغرافياً محكماً، لكن مع تزايد عدد السكان في منتصف الخطة الخمسية التنموية الخامسة كان لابد من العودة إلى افتتاح المزيد من المدارس الابتدائية في هجر شايقة، الجدي والسليم، وأعالي جرب، ومدرسة أخرى في قرية الكرى، وأيضاً مدرسة أخرى في محافظة العقيق، بالإضافة إلى مدرستين في كل من بني سار، وبني كبير، مع المزيد من المدارس الابتدائية إلى (168) مدرسة مع بداية العام الدراسي 1418ه/1419ه يدرس فيها (4763) طالباً، ويعلِّم فيها (1775) معلماً، بينها (29) مدرسة تشترك فيها المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. ويصل عدد المدارس في عام 1433ه إلى (604 مدارس) بها (47650 طالباً وطالبة) يقوم بتدريسهم (8305 معلماً ومعلمة) بالإضافة إلى عشرات المشرفين والمشرفات والإداريين ومجموعة كبيرة من الموارد المادية والبشرية جميعها تجعل تعليم الباحة في طليعة حاملي راية التعليم في المملكة.