حالة صمت وتجاهل استمرت أكثر من 18عاما على قرارات عشوائية أطلقها مسؤول سابق للتعليم لتحكم على أكثر من تسعة آلاف خريجة بالإعدام، بدأت المأساة عندما فتحت الدولة الكليات المتوسطة في عدة مناطق لتلتحق بها فتيات في عز شبابهن من أجل أن يتخرجن معلمات وتربويات مؤهلات، حيث كانت الدراسة مكثفة مدة سنتين بمعدل 14 مادة في كل فصل دراسي بالإضافة إلى التطبيق (التربوي الميداني) في مدارس حكومية، وبعد سنوات من ذلك النظام تحولت الكلية المتوسطة لإعداد المعلمات (بقدرة قادر) إلى كلية التربية لإعداد المعلمات لتصبح مدة الدراسة أربع سنوات بمعدل سبع مواد في كل فصل دراسي، نفس المواد ونفس المناهج وكان هذا التحول كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء فمن تخرج منهن تم تعيينه بشكل محدود جدا، وبعدها توقف التوظيف لتصاب حياة 9000 خريجة بالشلل التام وتتحول أيامهن إلى معاناة وعذاب وتعاسة لا طعم لها أمام الحاجة والعوز، والكلية المتوسطة هي كلية تربوية تابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات فتحت أبوابها أمام خريجات الثانوية العامة عام 1413ه لتغطية الاحتياج في تدريس المرحلة الابتدائية، فيما بعد انضمت الكليات المتوسطة في المملكة لوزارة التربية بعد عملية دمج الرئاسة بالوزارة، وآخر تعيين لبعضهن تم عام 1424ه تقريبا ثم تجاهلت الوزارة الآلاف منهن سنوات طويلة، ومن أسوأ عمليات التضليل التي تعرضن لها كان من ضمن المؤهلات المطلوبة عند تقديمهن على موقع الوزارة مؤهل كلية التربية المتوسطة، وكان ذلك فقط لتطمينهن أن هناك شواغر لتخصصاتهن، فوظفت الوزارة بعضهن لتغطية النقص، ولكن سرعان ما أعلنت عن تخليها عن الباقي بذريعة أن شهاداتهن ناقصة ولا تؤهلهن للتدريس، علما أن هناك خريجات من نفس الكلية تشغل وظيفة الموجهة والمديرة والإدارية، فناضلت الخريجات بالمطالبة بحقهن حتى خرجن بتوصية من مجلس الشورى للجهات المعنية بالنظر في أمر التعيين، فقدمت وزارة التربية لوزارة الخدمة مقترحا سطحيا يقتضي بتقسيم الخريجات إلى نصفين؛ نصف في التعليم ونصف في القطاعات الأخرى ولكن وزارة الخدمة رفضت هذا المقترح لأن الخريجات تربويات ويتبعن وزارة التربية الملزمة بتوظيفهن !! مجموعة مركبة من القرارات غير المترابطة تناقض بعضها بعضا، وضعها المسؤولون في ثلاث وزارات بطريقة تعجيزية، وهكذا تعودنا أن نخلق من قوانيننا سلاسل وقيوداً تشل تحركنا وتضعنا في خانة المتوفين دماغياً ونحن أحياء نمشي على الأرض، وهذا ماحدث حين قدمن في جدارة فلم يجدن مسمى الكلية المتوسطة فاضطررن أن يستخدمن اختيار ( كلية إعداد المعلمات) وترشحت أسماؤهن للتدريس، ولكن عندما ذهبن للمطابقة تم جحدهن ورُفضن بذريعة لا مكان لحملة الدبلومات المتوسطة وتم استبعادهن إلا من شملتها الواسطة، وتم تعيين عدد بسيط كبديلات باستقطاع راتب لهن من راتب المعلمة الأساسية فمثلاً إذا كانت البديلة تغطي وظيفة معلمة أساسية في إجازة أمومة يُصرف لها جزء من الراتب يساوي ما يقدمه حافز، منتهى الاستغلال والنكران حين يتم تعيينهن كبديلات ثم يُجمدن ولا يعترف بشهاداتهن، ومنتهى الفشل أن تصدر وزارة التربية والتعليم نظاما وتلغيه بآخر دون أن تضمن لضحايا النظام الملغي طريقا للعودة، بل تتركهن عالقات في العراء في منتصف طريق لا نهاية له، ليدفعن ثمن قرارات غير مدروسة من عقليات لا تأبه بمصائر الناس، فمن يعوضهن عن أعمارهن التي أكلتها سنوات الانتظار بين الحاجة والعوز والمرض، فمنهن الأرملة التي تعاني الأمرين، والمطلقة التي تحتاج للوظيفة، ومن تعاني مرض مُعيلها وأخرى ومن تكاثرت عليها الديون، حتى وصل عدد منهن لسن التقاعد دون تعويضهن إلى الآن، مما أجبر بعضهن على التفكير في الهجرة لدول الجوار بحثا عن لقمة عيش وحياة كريمة تقيهن الحاجة والفقر الذي يعشنهُ بعد أن تم استبعادهن من النظام الجارح المهين حافز وحتى من الضمان ! ومنذ أكثر من خمس سنوات رفعت المعلمات عدة قضايا على أمل لم يفقدنه، وأرسلن أكثر من 450 برقية، تكلفة البرقية الواحدة تتراوح بين 150 – 450 ريالاً فهل يعرف المسؤول ما تتكبده الواحدة منهن لتحصل على تكلفة البرقية !! وقبل عام وصلت أصواتهن إلى الديوان الملكي وبعد أن حفت أقدام المئات منهن وهي تجوب شوارع الرياض بين الوزارات التي تتملص من المسؤولية، حيث أمر خادم الحرمين بتعيينهن ليشرق الأمل من جديد في تلك القلوب البائسة، ولكن تم إعطاؤهن العديد من الوعود بأنهن سيوظفن إداريات، وجاء التعيين من نصيب خريجات المعاهد وتم تجاهل خريجات الكلية المتوسطة فلم ينفذ الأمر الملكي بحذافيره كعادة بعض الوزارات فمن وراء تعطيل وتجاهل مصيرهنّ الذي تقاذفته ثلاث وزارات (الخدمة المدنية والتربية والمالية) بعد أن أرغموا آلاف الخريجات على الانتظار الجبري واستنزاف وقتهن وسنوات شبابهن وإضاعة المزيد من الوقت من أجل قتل القضية ودفنها في مقبرة النسيان !! حتى هيئة مكافحة الفساد وحقوق الإنسان تتجاهل بشكل واضح ملاحقة تلك الوزارات التي تتقاعس عن تنفيذ تلك الأوامر حال صدورها، فيضعون لنقطة البداية عراقيل وصعوبات ثم يبدأون يفسرون ويتساءلون وينجمون و يتخيلون الكيفية التي ستنفذ بها ويُدخِلوهن في دوامة المراجعات ورحلة من الشتات بين الوزارات والإدارات المكلفة بتنفيذ الخدمة، قضية الخريجات اللاتي حكم عليهن بالإعدام لم تمت وتنتظر من يتحمل المسؤولية ويصلح ما أفسده مسؤولو التعليم !!