كتب الدكتور فايز صالح جمال في حسابه في تويتر قبل أيام أنه استغرق في طريقه للعودة من الحرم إلى منزله أكثر من ساعة وهو الطريق الذي لا يستغرق عشرين دقيقة في معظم الأحوال، ورد عليه أحد متابعيه بقوله «أنا أخدت ساعة من الحرم لموقف الباص المؤدي لمواقف كدي»، وتتابع الحوار والتعقيبات حول الصعوبات التي يواجهها كل من قصد الحرم المكي في هذه الأيام وكل التغريدات تجمع على مشقة الوصول إلى الحرم وصعوبة العودة منه. استوقفتني تلك التغريدات لأنها بدت لي مألوفة جداً ولو كان موقع تويتر موجوداً ومتداولاً منذ عشر سنوات لما اختلفت تغريدات اليوم عن التغريدات التي تكتب قبل عشر سنوات لو قدر لها ذلك. لقد كتب مكيون أفاضل عن رؤيتهم لواقع مكة ومستقبلها الذي يطمحون إليه، كتبوا وتحدثوا عن ملاحظاتهم وأمنياتهم لتطوير مكة تطويراً شاملاً يراعي انسيابية الحركة وتدفق الزوار ويحافظ في الوقت نفسه على طرازها المعماري وآثارها التاريخية التي تمنح المدينة روحها وتربط مستقبلها بماضيها. وعلى مدى تلك السنوات حظيت مكة بمشاريع لا تنتهي في كل أحيائها تقريباً وخصوصاً في المنطقة المركزية حول الحرم الشريف. أزيلت أحياء كاملة وأعيد تخطيطها من جديد، ظهرت فنادق عالمية وناطحات سحاب وأسواق تجارية فارهة تضم أرقى الماركات على بعد خطوات من الحرم، بل وتستخدم تلك الفنادق صورة الحرم في إعلاناتها وتتباهى بإطلالتها المميزة عليه، لست هنا لأنتقد أو أقيم أثر تلك البنايات الشاهقة لكنني أتحدث عن مشاهداتي البسيطة كواحد من سكان هذا البلد الحرام، فرغم أن منزلي يبعد عن الحرم مسافة لا تزيد عن خمسة كيلومترات إلا أنني أجد صعوبة متزايدة كل عام في الوصول إليه، وأتذكر جيداً الموقف المحرج الذي يتكرر كل عام تقريباً عندما يزورني صديق من خارج مكة في رمضان ويطلب مني اصطحابه إلى الحرم، فأقف حائراً في أفضل الطرق التي يمكن أن نصل بها إلى الحرم، حيث لا يمكن الدخول بسيارة خاصة فضلاً عن الزحام الشديد الذي لا ينتهي، أما إذا قررت البحث عن وسيلة مواصلات عامة فعليك أن تقصد أحد مواقف حجز السيارات ثم تركب الحافلة لتسير في ذات الطريق المزدحم الذي يختلط فيه المشاة بالسيارات الخاصة بالحافلات دون أي فواصل ولا تسأل عن الوقت الذي تستغرقه والمشقة التي تلاقيها كي تصل إلى الحرم الذي يبعد عن منزلك تلك الكيلومترات الخمسة فقط. وإذا قدر لك أن تصل فعليك أن تتحلى بضبط النفس فلا تشعر بالحر ولا بالزحام، وربما تستغرب عندما تجد صفوف المصلين قد امتدت فسدت الشوارع الجانبية وأوقفت حركة السيارات. وإذا قررت العودة فعليك أن تتحمل الزحام الشديد وأنت تنحشر في النفق الذي يقع تحت المول الفخم ذاته لتنتظر الحافلة في مشهد لن تتخيله ما لم تشاهده بنفسك خصوصاً منظر المصلين وهم يتدافعون ركضاً للحاق بمقعد في الباص الذي لم يتوقف بعد. وربما تمردت الحشود واقتحمت النفق وعطلت حركة الحافلات كما حدث في إحدى ليالي العشر الأواخر من العام الماضي وسار الناس كامل المسافة من الحرم حتى (كدي) مشياً على الأقدام. أنا لست مهندساً ولا أفهم شيئاً في علم تخطيط المدن، لكنني أشعر أن ثمة شيئا يجعل الحياة صعبة وشاقة لكل من جاء الحرم للصلاة. إنني أشعر بالخجل من والدتي وهي تسألني في كل عام أن أصطحبها إلى الحرم لأداء الصلاة وأعتذر لها بسبب المشقة التي لا تطيقها.. وها أنا أوجه سؤالي لمعالي أمين العاصمة ولوزير الحج ومدير إدارة المرور ولكل مسؤول في مكة: ما الذي جعل زيارة الحرم المكي مشقة بالغة لأهل مكة؟ أفيدونا مأجورين؟