يستحيل تصديق أنّ برّادات المستشفيات في بيروت تحتضن في داخلها جثثاً لبشرٍ قضوا منذ سنين طويلة تناهز العشر السنوات. كما أن سبب بقائها دون دفن يشكل صدمة كبيرة. إذ يُردد أطباء وموظفو المشفى اللبناني أن طائفة المتوفين المجهولة تحول دون دفنهم. بمعنى آخر، لا يعلم القيمون على هذه الجثث وفق طقوس أي طائفة يجب أن تُدفن الجثث. تنام 19 جثة في براد مشرحة “مستشفى بعبدا الحكومي” بعضها كامل والبعض الآخر بقايا جثث. هويات أصحابها مجهولة، تماماً كما عائلاتهم. ويُرجّح العاملون في المستشفى أنها تعود في معظمها إلى رعايا أجانب توفوا على الأراضي اللبنانية. أحدث هذه الجثث عمراً تبلغ شهرين قضى صاحبها بحادث سيارة، أما أقدمها فيقال إنها تعود إلى أكثر من عشر سنوات خلت. الجثث تتكدس فوق بعضها ويكشف أحد أطباء المستشفى الشرعيين، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن “الجثث مغلفة بأكياس من النايلون بعدما حقنت بمادة حافظة”. ويذكر أنها تعود لإناثٍ وذكور، لافتاً إلى أنها تعود في معظمها لضحايا حوادث سير أو غيرها. وتحديداً تلك التي لم تسفر تحقيقات الأجهزة الأمنية عن معرفة هويات أصحابها. أما حول الكيفية والآلية التي تبقى فيها الجثث في المستشفى، فيشير الطبيب الشرعي إلى أنه إثر حصول الحادث، ترسل مخافر قوى الأمن الجثة إلى المستشفى، بناء على إشارة من النيابة العامة القضائية. وهناك تخضع الجثة لكشف الطبيب الشرعي الذي يُحدد سبب الوفاة ويحرر تقريره الطبي. وبعد ذلك تبقى الجثة في براد المستشفى، من دون أن تكون للمستشفى قدرة التصرف بها إلا بعد مراجعة النيابة العامة. ويرى الطبيب الشرعي أن الإبقاء على الجثث في البراد فترات طويلة يتسبب في رائحة كريهة جداً في المشرحة، مشيراً إلى أن السبب يرجع إلى التعفن البطيء للجثث. وتجدر الإشارة إلى أن براد مستشفى بعبدا المركزي يتألف من خمسة برادات مستقلة. ويتألف كل براد منها من ثلاثة جرارات، يُخصص كل واحدٍ منها لجثة واحدة. لكن الموظف المسؤول عن المشرحة يضطر أحياناً إلى وضع الجثث المجهولة فوق بعضها البعض في أكثر من جرار، إفساحاً في المساحة أمام جثث أخرى جديدة. لا توجد برّادات وينقل أحد موظفي المستشفى ل”الشرق” أن إدارة المستشفى أرسلت أكثر من مذكرة احتجاج لحث السلطات القضائية على دفن هذه الجثث، لاسيما أنه لم يعد هناك مكان يتّسع لوضعها ولم تعد توجد برادات لاستيعابها، لكن الردّ كان سلبياً. ويروي الموظف المذكور أنه في إحدى المرات قرر الموظف المشرف على المشرحة رفض استقبال أي جثة جديدة، لكن عناصر الشرطة تركوا الجثة التي كانت بحوزتهم على الأرض وغادروا. ويروي مطلعون على القضية أن المشكلة تكمن في تحديد الجهة الرسمية التي تتولى مسؤولية الدفن، هل هي وزارات الداخلية أو الصحة أو العدل؟ لافتين إلى أن هناك معضلة لا تقل أهمية، وهي تحديد المقبرة المخصصة لدفن تلك الجثث. لاسيما أن كل ما هو مرتبط بالأحوال الشخصية من حالات ولادة وزواج وطلاق ووفاة وإرث، يتم في لبنان وفق أحكام الطوائف التي تبلغ 18 طائفة. وفي هذه الحالة، يؤكد هؤلاء أن عدم دفن هذه الجثث المسجونة في برادات المستشفى، التي لا يُعرف طائفة كل منها، يرجع إلى أن النظام الطائفي اللبناني يحول دون ذلك. مدافن الغرباء وعلمت “الشرق” بوجود مقبرة ضمن نطاق بيروت كان يُدفن فيها مكتومو القيد والمجهولون. وتبيّن أن هذه المدافن تخضع لإشراف “جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية”، إلا أن هذه المدافن لم تعد تتسع لمزيد من الجثث.