مما لا شك فيه أن ما أطلق عليه بالربيع العربي، سيكون ربيعا حقيقيا إذا ما عرفت الدول المعنية به، كيف تستفيد من بوادره، وكيف تبذر البذور في أوانها، وتحدد احتياجاتها من الغلة، ومن سيفلح، ومن سيزرع، ومن سيقوم على العناية بالثمار، وتطبيبها، وتطعيمها، وكيف ومتى سيتم الحصاد، ومن سيتولى رعاية المخازن، بأمانة، وحرص، لتكفي لسنين قادمات، نتمنى أن لا تكون عجافا. وتاريخيا، نجد المرجع المثالي في ثورات الشعوب الفاعلة، متمثلا بالثورة الفرنسية (17 يوليو 1789 -10 نوفمبر 1799)، والتي أعقبها تحولات سياسية واجتماعية كبرى في التاريخ السياسي والثقافي الفرنسي، حيث تم إلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الأرستقراطية، والنفوذ الديني. وقد عم خير ربيع هذه الثورة على فرنسا، بل إنه قد عم على سائر القارة الأوربية، ومعظم دول العالم المتطور.فالثورات، عمل تجددي، طبيعي، يحدث بين الحين والآخر، وتقوم بها الشعوب الراغبة في نيل الحرية، ونبذ الظلم، وكسر القيود، وتمكين الشباب الفاعل من قيادة البلد، وتعديل المسار المنحرف. وهذه الحركات إما أن تؤدي للقوة والتقدم، أو للحيرة، والتشرذم. ويعتمد هذا على نوايا وأطماع، وأمانة من يقومون بالثورات، وعلى مستوى الوعي، والقدرة على المشاركة من عموم أفراد الشعب. وللأسف الشديد إن الثورات عربيا تصنف من غنائم الحروب، فتجد دوما من يحاول بكل قدراته سرقتها، وسلبها من الشعوب، والتمتع بمعطياتها، كما حدث في ثورات العالم العربي، التي بدأت بثورة الضباط الأحرار بمصر، وامتدت لعدد كبير من الدول، فلم نشاهد فيها المثل الجميل للثورة الحقيقة السليمة، إذ سرعان ما عملت قوى الفساد، على سرقتها، وتحويلها إلى شعارات جوفاء، وإقطاعات بشكل مزخرف من الخارج، لا يفترق عن الحال الماضي في المضمون، فتم تمويهها، وتحريفها عن المسار الطبيعي للربيع، وتحويلها إلى خريف قارص شحيح مظلم، وإيصالها إلى أبشع أشكال الاستعباد، بقوانين طوارئ، ومؤسسات مباحث، أرعبت الشعوب، وأحالت الأوطان إلى سجون كبيرة، لا يتمكن الفرد من خلالها من الثقة بأخيه، وتم محاسبة الفرد على كل نفس، وقهره، ونشر معتقلات الشبهة، كما نشهده حاليا في بلد مثل سوريا، الذي لا يزال يغيب، في جلابيب ثورة، كانت ربيعية، في يوم من الأيام. إذن فالوعي مطلوب، في دول الربيع العربي، ولكن وعي ممن؟. هل الوعي فقط من السياسيين، أو من المثقفين، أو من الطبقة الفاعلة، أم أن الأمر منوطا وفرضا على جميع أفراد الشعب، وبكامل أطيافه، ودون تخصيص. فكلما كثر الجهل، سهل انقياد الشعوب للشعارات، والعودة للتصفيق والهتافات، وعندها ستكثر التحزبات، وسيُستغل الدين، وسترتفع وتيرة التناقض بين المذاهب، والعقائد الفكرية، وتذكى نار الأحقاد والطبقية، والفئوية، وسيتم ضرب الأقليات، بعضهم ببعض، وسوف يكون عقل الإنسان البسيط في حيرة، والخاسر هو من سيسلم أمره لغيره، ويعود بأسرع وقت لمسار القطيع، دون أن يكون له رأي خاص (واعٍ)، وبعيد عن الأحقاد، وعن ضيق الأفق. لماذا لا يفكر كل فرد من الشعب بأنه هو المسؤول عما يحدث في بلده، فيشارك بقدر ما يستطيع، ولا يستسلم لغيره. ولتتذكر الشعوب أن من يريد الأذى بأطراف معينة من الشعب، (فمن تقوى بك اليوم، سيتقوى عليك بالغد). وعلى كل فرد أن لا يقف مكتوف الأيدي، فليختبر الشعارات الزائفة، ويعرف مدى صدقها وأمانتها، وهل ستؤدي للوحدة في البلد، أم أنها ستخلق شقاقا، وتشتت؟. المواطن يجب أن يتبين حقيقة ما يجري من حوله. (من ألّبك على فئة من مواطني البلد، فهو سارق للثورة)، يريد أن يستغلها، وأن يكون (قذافيا) آخر. من (كذب عليك وأخبرك أنك تمتلك حقا ونصيبا أكبر من عموم المواطنين)، فهو كاذب. من قال لك أن (دينك، أو مذهبك، أو مكانتك الاجتماعية تعطيك حقا أميز من الآخرين، فهو يغسل مخك، ويزرع الشقاق في بلدك، ويسرق الثورة منك). الفيصل هو الوطن، للجميع، والفيصل هو المساواة بين كل الأطياف، والفيصل هو أن لا يسيطر أحد على أحد، حتى يتكون حولك بلد يمتلكه كل فرد من الشعب، ويكون لكل مواطن حريته، في أن يعيش فيه بحرية وسعادة، وأن يترك الآخرين من حوله، يعيشون بكامل حريتهم وسعادتهم، طالما تساووا في الحقوق، والعطاء، والتفاني، من أجل حرية، وتطور الوطن.