كل يوم يمضي من عمرنا تعطينا الحياة دروساً قد لا نجدها في أمهات الكتب، دروساً حياتية قيّمة، دروساً بليغة لأبعد الحدود، منذ نعومة أظفارنا نشاهد الحلقة الأولى من سلسلة حلقات هذه الدروس. مشهد غريب جداً عندما تشاهد أماً حنونة كالحمل الوديع مع أطفالها تزأر بوجه أي طفل يحاول المساس بابنها، مقحمة نفسها كفزاعة مرعبة في عالم الأطفال الأبرياء، مغفلة جميع مبادئ التربية التي تتباها بها أمام نظيراتها في التعامل الحضاري مع أبنائها، وكأن الأطفال الآخرين لا ينتمون إلى «فصيلة» الأطفال! تمر الأيام وبعض السنوات لتجد نفسك في مأزق آخر مع معلم يتلمذك على الازدواجية كدرس أساسي في الحياة عندما يقضي حصته المدرسية في تضييع الوقت بامتياز ويرمي حِمل التدريس على الأهل بالكامل، وكأن الطالب تلميذ منازل، بينما لا يتورع هذا المعلم عن محاسبة ولوم معلمي أولاده الذين يسلكون مسلكاً توأماً لمسلكه! على أي أساس وبأي حق يبرر هؤلاء المزدوجون تصرفاتهم وأحكامهم المشينة؟ لتجد الطامة الكبرى عندما تكون الازدواجية والتطفيف في قمتها عند من يعوّل عليهم وتقاس صلاح الأمم بصلاحهم، عندما يكون القضاة ورجال الدين رواداً لازدواجية المعايير فماذا نفعل هنا؟ كل يوم حادثة جديدة تحت نفس العنوان، معايير مزدوجة، الأخطاء ذاتها، عندما يرتكبها زيد نبرر له بالتبريرات التي حفظناها عن ظهر قلب: اجتهد فأخطأ فله أجر الاجتهاد، احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير، اقرأ السياق كاملاً! ولعمري لقد ابتذلت هذه الأعذار وحُملت أكثر من طاقتها! لكن لو ارتكب أحمد ذات الخطأ الذي ارتكبه زيد «فيا ويله وسواد ليله»، هذا إن لم يخرج عن دائرة الإسلام التي نضيّقها ونوسّعها على أهوائنا لتسع من نحب وتضيق على من نبغض، ليطل علينا من يغرد بتغريداته المتألقة في تقديس وتلميع زيد من الناس، معتبراً كثرة متابعيه دلالة محبة الله له! وأنهم أكثر من متبعي خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلّم، مستدلاً بعدد المتابعين في موقع التواصل الاجتماعي تويتر الذين بلغوا المليونين! بالمقابل لانزال نسمع يومياً أصواتاً تنعق ليلاً ونهاراً مطالبة بإزهاق أرواح البعض بحجة تجاوزهم على خير الخلق أو على الدين! غاضّين الطرف عن تجاوزات أولئك! فما مصيرنا يا ترى إن كان أمثال هؤلاء هم قضاتنا ومشايخنا؟!