في ظل مجتمع متسارع يتسم بالتطور السريع والمستمر في التجارة والخدمات والتطور الاقتصادي الهائل، نتجت تعقيدات في المعاملات والتعاملات وظهرت الحاجة الماسة إلى سرعة وسرية وفعالية حل الخلافات، ما دعا ذلك لوجود آليات قانونية غير تقليدية يمكن للأطراف من خلالها حل خلافاتهم بشكل سريع وعادل وفعّال مع منحهم مرونة وحرية. ومع انتشار الشركات متعددة الجنسيات والهيئات ودخول الدول في منظمة التجارة العالمية أصبحت الحاجة ملحة للشعوب للجوء للتحكيم الدولي الذي يتطلب صياغة العقود في قوالب نموذجية تتضمن أعرافا وعادات وقواعد ذات طابع مهني تختلف عن القواعد التي تتضمنها القوانين الوطنية، ومن هنا بدأ التفكير في إيجاد وسيلة فعالة يمكن استخدامها لتفادى قيام تلك المنازعات في مراحل التعاقد الدولي بل وحسم تلك المنازعات عند حدوثها .فيعد التحكيم أبرز هذه الوسائل السلمية لفض المنازعات والتنازعات وطريق من طرق العدالة الخاصة المؤسسة على مبدأ سلطان الإرادة حيث إن المحكم يكون في العادة متفرغا للفصل في هذه الخصومة وليس لديه خصومات أخرى مقارنة بما تعج به المحاكم بمئات أو آلاف القضايا، فيتيسر له البدء فوراً في إجراء التحكيم وإنهائه في وقت أقصر بكثير مما يتم في المحاكم القضائية، وهذا فيه من المصلحة الكبيرة والعظيمة للإسراع في إيصال الحق لصاحبه . وللوقت أثر مهم على الحق المتنازع عليه وبخاصة في القضايا التجارية، لأن سرعة الإنجاز والفصل والحكم عامل مهم للغاية على عكس البطء في اتخاذ القرار يجعل الأضرار تتنامى وتتضاعف، حتى أن الخسائر المالية التي يتكبدها أطراف النزاع في ظل وقوف وركود المشروع لحين صدور الحكم يفوق بكثير أجرة المحكم، لينهي لهم النزاع خلال مدة وجيزة، ففي التحكيم تلاف لكثير من تلك الأمور التي تجعل التحكيم سمة العصر وضرورة ملحة للشعوب . ولا يعد التحكيم بديلاً عن القضاء بل هو وسيلة مكملة وموازيه له، في حل النزاعات بسبب الانفتاح الاقتصادي الذي تعيشه الدول، وقد اكتسب هذه الأهمية من سرعته و بساطته وسهولته والابتعاد عن التعقيد وانخفاض تكلفته المادية والزمنية. كما أن الاتفاق بين المتنازعين على التحكيم يلزم الأطراف بالالتزام بتطبيق نتائجه مهما كانت فهو حكم غير قابل للطعن، ويصبح القضاء منفذاً لما ورد عليه التحكيم. كما أن مجالات التحكيم متعددة أكثرها في الموضوعات التجارية و العلامات التجارية و الملكية الفكرية و النزاعات البحرية و عقود النفط و البناء. فأصبح خيار التحكيم هو الخيار الأمثل للدول والشركات الكبرى لتسوية نطاق واسع من الخلافات التجارية.