تقع الدول الخليجية في موقع استثنائي اقتصاديا لم يجر استغلاله لحدوده القصوى بعد، وعندما ننظر إلى الميزات التنافسية للبلدان الخليجية من توافر الموارد الصناعية والطاقة والبنى التحتية من طرق ومرافق يضاف إليها المساحات الشاسعة والقدرة على استيعاب عمالة خارجية بأعداد كبيرة وبشكل تنافسي، لا نستطيع إلا أن نتخيل المدى الذي يمكن عمله في هذه البيئة الجاهزة. إن الموارد الطبيعية من نفط وغاز أصبحت تدخل في صناعة أي من منتجات العالم من الأدوات والأجهزة والثياب والتعليب والسيارات والطائرات والسفن، باختصار أصبحت منتجات النفط و الغاز سمة العصر في غضون عقود قليلة وهي في طريقها للتوسع. ولو استطاعت الدول الخليجية استقطاب بعض أركان هذه الصناعة، بدل التركيز على منتجاتها الأساسية كما في سابك وغيرها، لاستطاعت أن تنمو بخطوات لم تعهدها البشرية من قبل. إن كان الوضع كذلك.. فلماذا لم تنتبه دول المنطقة لهذا الأمر وتستغل الفرصة السانحة؟ إن هذا السؤال محير فعلا ولكني أعتقد أن السبب الرئيس هو عدم وجود أنموذج مماثل للوضع الخليجي في أي مكان بالعالم. يضاف إلى هذا أن المفاصل اللازمة لإيجاد الحل متناثرة وبأيدي مختلفة ما يجعل جمعها من طور التمني. وكذلك القوى المختلفة لم تتلاءم علاقاتها بالشكل الذي يسمح لها بالتخطيط الهادئ والهادف. ولكني أعتقد أن الوقت الآن موات بطريقة استثنائية بل إن إحداث تغيير بهذا الحجم سيكون له مفعول إيجابي على مستقبل الدول الخليجية والعالم. المشكلة الحقيقية التي تواجه انطلاق دول الخليج للنمو كقوة صناعية عالمية هو أن جميع الصناعات في العالم تكاملية، أي أن المنتج يستخدم لصناعة أخرى وهكذا …، حتى إن انهيار صناعة واحدة في بلد ما يؤدي لانهيار جزء كبير من الاقتصاد أبعد من الصناعة المنهارة نفسها. إن ارتباط هذه الصناعات بمداخيل الدول نفسها يوضح مدى الممانعة التي تواجهها أية صناعة آتية من الخارج. هذه الممانعة تؤثر على صناعة دول الخليج بخاصة كونها تتمتع بميزة تنافسية غير عادلة! السؤال هو: كيف لنا أن نطور الصناعة الخليجية برغم هذه المعوقات؟ أنا لا أعني التوسع في إنتاج المكونات الأولية للصناعة مثل البتروكيماويات أو الألمنيوم بل توطين جزء من الإنتاج العالمي المعتمد على هذه الصناعات من حيث الحجم، ما يلزمنا لمضاعفة الصناعة الخليجية القائمة مرات عديدة على الأقل على المدى القصير. الحل الأمضى والأسرع هو السعي للمشاركة بدلا عن المنافسة من حيث الدخول في شراكات مع الشركات المصنعة للمواد النهائية مباشرة وتوفير ما تحتاجه من صناعات أساسية وخدمات محليا بالتوازي مع خطط هؤلاء الشركاء الاستراتيجية. هذا النموذج مختلف تماما عن المشاركة مع شركات وسيطة كما نفعل حاليا، وأدى فيما أدى إلى تنمر الصين وتايلند بشكل خاص، النموذج الحالي كان مفهوما في السبعينات إذ كان الهدف السعي للحصول على مواطئ أقدام للدخول في منظومة العالم الصناعي وقتها. وللإنصاف يجب أن نذكر أن المبرر الذي ذكر حينها هو توطين الصناعة والارتقاء بالمجتمع نحو مجتمع صناعي ناهض. هذا الحلم بقي حلما ولم يستطع التطور من الحالة الجنينية التي ولد عليها وما زال، ولكن المضي فيه وقد عرفنا نهايته وتغيرت خريطة الصناعة واتجاهاتها وحتى القوانين التي تنظمها، أمر غير مفهوم حقا. اقتصاديا، دول الخليج محتاجة للتكامل لكي تستغل إمكانات النمو المهولة لديها، للقيام بمشروع عملاق مثل توطين جزء جيد لا بأس به من الاقتصاد العالمي يجب أن يكون هناك مصدر عملاق للطاقة أيضا، لا ننسى استعمال النفط (أو النافتا) في الطاقة فهو غير مجد و ملوث للبيئة ولكن لحسن الحظ لدى قطر واحد من أهم المخزونات العالمية للغاز، ما يلزم هو أن يعمل «طريق سريع» للغاز يربط دول الخليج جميعا و يكون العمود الفقري لهذا المشروع. لتحقيق النهضة الصناعية المرجوة، على دول الخليج العربي التعامل مع العالم بطريقة مباشرة وفاعلة وذلك لا يتم باجترار أفكار قديمة نسيت أسبابها وأهدافها منذ زمن بعيد. بل على العكس، عليها أن تسعى إلى إيجاد حلول جديدة ومتجددة عن طريق استغلال مزاياها التنافسية إلى أقصى مردود اقتصادي ممكن ومراجعة خططها القائمة بشكل شفاف ودائم للتحقق من مدى فاعليتها من جهة ومواءمتها للعالم من حولها. وأعتقد أن مجرد الإعلان عن نية لدراسة مشروع كهذا «ربط دول الخليج بشبكة للغاز تستعمل لتطوير جزء لا بأس به من الصناعة العالمية محليا» سيدهش العالم. لماذا؟ لأن الإمكانيات لتحقيق ذلك لانهائية فعلا. إنتاج الغاز الطبيعي