يرجح الكثير من المحللين أن نقابة المعلمين في أمريكا هي في الحقيقة أحد الأسباب الرئيسة وراء كل الضربات الموجعة التي تلقاها التعليم العام في أمريكا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وذلك بإلقائها بثقلها السياسي الهائل ضد أي مشروع مقترح لإصلاح التعليم يأتي ضمن بنوده وضع أعباء إضافية على كاهل المعلم أو المعلمة. ونقابة المعلمين تعدّ واحدة من أكبر نقابات العمال في أمريكا بأعضائها الذين يتجاوز عددهم المليون عضو. مواردها الوفيرة وكثرة المنتسبين إليها جعلا منها آلة تأثير سياسي كبرى بوسعها أن تغيّر كراسي السلطة وتقلب موازين السياسة. وبطبيعة الحال تسعى النقابة إلى توفير أكبر قدر من الحماية لأعضائها ضد أي قانون قد يؤدي إلى تهديد أمنهم الوظيفي أو رفاهيتهم العملية. وبذلك أصبح فصل المعلم أو المعلمة منخفضي الأداء معضلة قانونية لا يمكن أن يتحملها أي حاكم ولاية فضلاً عن مدير مدرسة. ولم تتوقف نقابة المعلمين الأمريكية عند حد حماية المعلمين المقصرين من الفصل فحسب بل سعت مؤخراً إلى إسقاط قانون حوافز مقترح بربط رواتب المعلمين بمدى التحسن في درجات تلاميذهم معللين ذلك بأنه من غير العدل افتراض أن ظروف التلاميذ نفسها بين حيّ فقير وآخر غنيّ، ومدينة كبرى وقرية نائية، وكل تلك العوامل خارج قدرة المعلم على التأثير. هكذا عطّلت النقابة قدرة الحكومة على (ترهيب) المعلم (وترغيبه) أيضاً، وأصبح كل ما يتعيّن على المعلم فعله للحفاظ على وظيفته الآمنة ودخلها المعقول هو أن يحافظ على الحد الأدنى من الأداء الوظيفي بغضّ النظر عن مستويات التلاميذ. وبالتأكيد أنه ليس كل المعلمين المنتسبين للنقابة متفقون مع هذه المعارضة التي حرمتهم من فرصة تحسين دخلهم بتحسين أدائهم، ولكن أغلبية الفاعلين في انتخابات النقابة هم أولئك الذين هم بحاجة إليها لحماية أمانهم الوظيفي دون الحاجة إلى بذل مجهودات إضافية. وهكذا سادت الأغلبية داخل النقابة. وبطبيعة الحال، فإن المعلمين هم قبل أن يكونوا جزءاً من النظام التعليمي، هم جزء من النظام السياسي والاقتصادي في بلد مثل الولاياتالمتحدة. وسلوك المعلمين الذي تمثله نقابتهم هو سلوك بشريّ فطري يسعى لتقديم المصلحة الشخصية في شأن مهم جداً كالأمان الوظيفي على المصلحة العامة التي تتمثل في إصلاح التعليم العام. ولتخفيف وطأة هذا الخيار على الضمير، يلجأ المعلمون إلى إنكار وجود الأزمة بدليل أن مستويات التلاميذ لم تنخفض تاريخياً على مستوى الولاياتالمتحدة ولكن تبدو كذلك عند المقارنة بالدول الأخرى فقط، وهي مقارنة حديثة نسبية لم يتم اعتمادها سوى منذ سنوات قليلة. ويرفض المعلمون أن يتم معاقبتهم على ذنب لم يرتكبوه فقط لأن دولاً أخرى يحقق تلاميذها أداءً أفضل. وفي حالة اعترف المعلمون بوجود قصور تعليمي في مدارسهم فإنهم يلقون باللائمة على عوامل أخرى أيضاً: كانخفاض مستوى دخل الأسر مما يضطر الأبوين معاً إلى العمل وإهمال أبنائهم، وارتفاع معدلات الجريمة في بعض الأحياء التي تسجل مدارسها تراجعاً ملحوظاً. باختصار، إنها أزمة اقتصاد وسياسة ومجتمع، وليست قصوراً مفاجئاً في نظام التعليم الحكومي يمكن معالجته بحلول بيروقراطية عاجلة. تملك نقابة المعلمين إذاً أسباباً وجيهة لأن تتصرف بهذه الأسلوب الدفاعيّ عندما يحاول السياسيون والاقتصاديون إلقاء عبء إصلاح التعليم العام عليها وحدها دون إدراك جوانب التقصير العام في المجتمع والاقتصاد. ففي مدينة أمريكية صغيرة، يستحيل أن يفقد عشرة بالمئة من سكانها وظائفهم بعد إغلاق عدة مصانع دون أن يكون لذلك تأثير مباشر على أداء أبنائهم في مدارس تلك المدينة، ومن المستحيل أن تقلل حكومة الولاية إنفاقها على المدرسة بسبب تراجع دخل الضرائب (بسبب فقدان الموظفين لوظائفهم وبالتالي توقفهم عن دفع الضريبة)، ومن المستحيل أن يظل مجتمع المدينة الصغير آمناً وصحيّاً مع ارتفاع معدلات البطالة إلى هذا الحد. نظام التعليم العام تحديداً هو الأكثر حساسية للتقلبات الاقتصادية والسياسية في أي دولة، تماماً مثلما هم الأطفال أكثر فئات المجتمع ضعفاً وتضرراً من أي أحداث عارضة. يبدو واقع التعليم العام الأمريكي شبيهاً بنظيره السعودي من أغلب الزوايا. فالتقادم الزمني للمناهج والنظم التعليمية، والمركزية المفرطة في تسيير شؤون المدارس، وغياب الحوافز التي تقود إلى تنافس المدارس مع بعضها البعض في المدينة الواحدة هو واقع سعوديّ مشهود. الطبيعة الحكومية لوظيفة المعلم السعودي أيضاً تجعل من عملية فصله إذا أساء أو مكافأته إذا أحسن عقدة حكومية لا حل لها. السؤال هو: هل يمكن تطبيق اقتراحات الحلول الأمريكية لإصلاح التعليم العام -والتي أعاقتها نقابة المعلمين- في السعودية مستغلين مرونة القرار السعودي في ظل غياب النقابات المعيقة؟ لعل المقالة القادمة تناقش ذلك.