ليس تعليقاً على قدسية الأحكام القضائية، إنما هي محاولة للكشف عن ما هو «مسكوت عنه» الذي لم يصل إلى المحاكم بعد، رغم أنه أخطر كثيراً مما قُدِّم للمحكمة من دعاوى وأوراق، ذلك أن تقديم «المرتشي» الذي هو «زكريا عزمي» للمحاكمة والحكم عليه ليس مبرراً للتغاضي عن «الراشي»، ذلك أنه لولا وجود أحدهما ما وُجد الآخر، فجريمة الرشوة باعتبار أن الراشي والمرتشي هما فاعل واحد في جريمة واحدة، لا يصح الحكم في أحد أطرافها دون تقديم الفاعل الأصلي الذي هو الراشي لنفس المحكمة بنفس التهمة وإذا كانت جريمة الراشي أشد وطأة وفساداً من جريمة المرتشي الذي هو «مفعول به»! وإذا كانت التهمة الثابتة الأوراق التي حُكم بسببها على عزمي تتضمن قبوله -بحكم منصبه- لرشاوى بالملايين، من رؤساء تحرير الصحف القومية، وأعتقد -بسبب فقر الأخبار والجمهورية- أن الفاعل الأصلي والوحيد هنا هو رئيس تحرير الأهرام أيامها، الذي ظل في موقعه هذا لأكثر من عشرين عاماً بسبب رشاواه المليونية –من فلوس الأهرام- إلى الرئيس وحرمه والأبناء عن طريق عزمي الذي كان له نصيب الأسد! وحتى يستقيم العدل فلابد من تقديم «الراشي» الذي هو رئيس تحرير الأهرام لنفس المحاكمة، فأوراق التهمة الثابتة على المرتشي زكريا عزمي هي نفس الأوراق المذكور بها اسم الراشي الذي يقع على عاتقه أصل الجريمة، باعتبار أن كلاً منهما قد استغل منصبه لحصول الأول من الثاني على الملايين ثمناً للبقاء على «كرسي عرش الأهرام»، في استغلال كامل لأموال الأهرام، وبغير محاكمة لرئيس التحرير الفاعل يكون الحكم على زكريا عزمي هو خير مثال للعدل «الأعرج» والأعور الذي يرى بعين واحدة، الذي يسير على رجل واحدة دون أن نعلم السر في تعطيل إحدى العينين عن الرؤية، وتعطيل إحدى القدمين عن السير في الخط المستقيم، مع أن القضاء الذي نظر جانباً واحداً من قضية واحدة كان يجب عليه أن يستدعي لقاعة المحكمة، وقبلها لتحقيقات النيابة، الطرف الثاني الذي هو «الراشي» بأموال الأهرام!