لم يكفّ سياسيو لبنان يوما عن المطالبة بقانون انتخاب عصري، ذمّ جميعهم قانون انتخابات عام 1960 الذي أُجريت الانتخابات السابقة وفقه، رغم أنهم أنفسهم من اختاروه وتوافقوا عليه بوصفه أفضل الموجود. وخلال الأشهر الماضية، انهمك وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في إعداد قانونٍ جديد يرعى المصلحة الوطنية، وأنهى الوزير الجديد مشروعه ليُولد القانون وفق صيغة النسبية التي كان يطالب بها الفرقاء السياسيون في البلاد. لكن حتى الآن لم يُصادق على القانون، حيث يُحكى عن ألغام نيابية ووزارية ستعترض طريقه، والمعطيات الأولية تشير إلى أن النواب سيُسقطوه إذا ما تم تمريره من مجلس الوزراء للتصديق عليه نيابيا، فهم في الشكل يؤيدون النسبية، لكنهم في المضمون ينشدون مصالحهم، وكلٌ يريد قانوناً مفصلا وفق قياسه الخاص. أفضل الموجود مروان شربل يجزم معظم من عمل على صياغة مشروع قانون الانتخابات اللبناني الجديد المقدم من وزير الداخلية و البلديات مروان شربل أنه أفضل الموجود مقارنة مع غيره من القوانين الانتخابية المجربة في فترة ماضية. فهو قائمٌ على مبدأ «النسبية»، التي تؤمن عدالة في التمثيل تُفتقد في غيرها من نُظم الانتخاب الأخرى. إضافة إلى ربط مشروع القانون الجديد بحزمة إصلاحات سياسية مرفقة بمشروع القانون. لكن في مقابل الصورة الوردية لعدالة التمثيل التي سيوفرها القانون الانتخابي وسلة الإصلاحات المرفقة به، تقف حسابات السياسيين الانتخابية منه وقفة تردد. في هذا السياق، يتحدث مدير عام الشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية العميد إلياس الخوري ل «الشرق» عن «هُوّة فاصلة بين ما يُطالب به المجتمع المدني ورؤى القوى السياسية». يُعدد العميد خوري الإصلاحات فيبدأ بالهيئة المستقلة الناظمة للانتخابات ويتناول تلك المتعلقة بتحديد سقف الإنفاق الانتخابي، مروراً باعتبار مشاركة المرأة في الحياة السياسية حاجة ملحّة يُفترض أن تؤمنها الكوتا النسائية على أساس الترشح (النسبة المفروضة على الأحزاب لا تقل عن الثلث)، وصولاً إلى إتاحة الفرصة أمام اقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية. كما يتطرق إلى مسائل أخرى كضمان سرية الاقتراع وتحديد آليات اقتراع ذوي الاحتياجات الخاصة. يشدد العميد الخوري على ضرورة أخذها بالاعتبار، أي أنه «لو لم يقر النظام النسبي المطروح، يمكن لنا اعتماد هذه الإصلاحات من دونه لتحسين الوضع القائم كون هذه الإصلاحات مستقلة بحد ذاتها». بموازاة ذلك، كان البيان الوزاري قد حدد شهر يونيو من العام 2012 موعداً نهائياً لإقرار قانون الانتخاب، لكن حتى هذه اللحظة لا يزال مشروع القانون الذي أنجزه وزير الداخلية مروان شربل مجمّداً في ثلاجة مجلس الوزراء، علماً أنه حتى ولو تم تمريره هنا، سيحال مجدداً إلى البرلمان للتصويت. حسابات مختلفة هادي حبيش تؤكد المتحدثة من الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي زينة الأعور ضرورة متابعة القانون إلى أن يتم التصويت عليه، وتُجري الأعور مقارنة بين النظام الانتخابي الخاص بالجمعية وذلك الذي أنجزه مروان شربل. فتقول إنه في كلا المشروعين نسبي، مشيرة إلى وجود اختلاف بين قانونهم وقانون شربل في تقسيم الدوائر الانتخابية. فالوزير طالب ب «الدوائر الصغيرة فيما ننشد نحن أن يكون حجم الدائرة مساوياً للمحافظة». في موازاة ذلك، تقف الكتل النيابية بطموحاتها الانتخابية المختلفة منقسمة في مواقفها بين مؤيد ومعارض للقانون المطروح. ورغم شبه الإجماع الذي يظهر في مواقف الكتل النيابية على مبدأ النسبية، إلا أن هؤلاء يختلفون في رؤيتهم لتطبيقه. فمن جهته، يؤكد عضو كتلة المستقبل النائب هادي حبيش أن خطّه السياسي مؤيد لمبدأ النسبية في المطلق، لكنه يرى أن اعتماد مبدأ النسبية في ظل وجود السلاح بيد فئة من اللبنانيين لا يعطي نتيجة حقيقية في الشارع الشيعي. ورغم تأييده لكل الإصلاحات المقترحة في مسألة القانون الانتخابي، يرى أن اعتماد قانون الانتخاب وفق النظام الأكثري أفضل الخيارات في ظل الواقع القائم. فيما يشير زميله في المعارضة، عضو كتلة «الكتائب» النائب إيلي ماروني إلى أن المكتب السياسي الكتائبي لم يتّخذ قراره النهائي حيال القانون الانتخابي بعد. لكنه أكّد أن حزب الكتائب منفتح لمناقشة كل الطروحات. في المعسكر المقابل يقف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نوار الساحلي مؤكدا على أن موقف حزب الله ينسجم مع النسبية في المبدأ، لكنه يلفت إلى «أننا مع أي قانون أو اقتراح يقدم بشرط أن تتم مناقشته للتوصل إلى صيغة تحوز على التوافق». ويرفض الساحلي الخوض في تسمية النظام الانتخابي الأفضل بالنسبة إلى حزبه، إلا أنه يشترط حيازة القانون الانتخابي شبه إجماع كمعيار للمضي فيه. وفي الوقت نفسه، يلفت إلى أن «مبدأ النسبية كان مقبولاً من الجميع لكن ما أن طُرح فعلياً بدأت الملاحظات تنهمر عليه من كل حدبٍ وصوب». وفيما يتعلق بالإصلاحات الانتخابية، يقول الساحلي إن التوافق حولها أساسي للأخذ بأية مسألة. قانون لا طائفي بدوره، يؤكد عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب آلان عون أن الموقف من النسبية كمبدأ أمرٌ إيجابي. وهو إذ يلاقي زميله الساحلي في المبدأ، يرى أن إدخال النسبية إلى النظام الانتخابي يُعدّ نقلة نوعية على درب الإصلاح الانتخابي، مشيراً إلى أنها تُشجّع المجموعات على حساب الفردية. ويلفت إلى أنها قد تكون «عاملاً فاعلاً في تغيير السلوك الانتخابي الذي ربما يخرجنا من التقوقع الطائفي». هذا من حيث المبدأ، أما في التفصيل فيرى عون أنه قد يكون هناك حجم دوائر أخرى يؤمن تمثيلاً أفضل. وهو إذ يذكر أن قانون شربل اختار الدوائر الوسطى، أكد أنه «لن نكون عقبة أمام أية دوائر اعتمدت، شرط أن تضمن تمثيل الجميع من دون استثناء»، لافتاً إلى «إننا لم ولن نقفل الباب على مناقشة صيغة الدوائر». أما فيما يتعلق بموقف التكتل من الإصلاحات، رأى النائب عون أن أهم الإصلاحات هي «اللوائح المطبوعة سلفاً التي يتم الهروب منها»، وفي مسألة الكوتا النسائية اشترط أن تكون «بهدفٍ تحفيزي وليس كتحديدٍ مسبق لنسبة المشاركة». أما فيما يتعلق بموضوع اقتراع المقيمين خارج الأراضي اللبنانية، أعاد عون التذكير «بأننا كنا سباقين في الدعوة لمثل هذا الأمر»، مشيرا إلى أن النقاش الآن يدور حول آلية التطبيق. في ذات السياق اعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم أن القانون الانتخابي الأنسب هو اعتماد الدائرة الواحدة وفق نظام النسبية. وأشار هاشم إلى أن «هذا القانون يخرجنا من حالة المراوحة ويبعده عن المؤثرات الطائفية والمذهبية». مستغرباً محاولة البعض أن يأخذ «لبنان إلى قانون ما دون الستين وهذه مصيبة». وحول موقف الكتلة من قانون شربل، اعتبر هاشم أن الاقتراح قابل للنقاش بين الكتل النيابية، مشترطاً أن يكون هناك تعديل على مستوى الدوائر. أما مسألة الإصلاحات، فرأى قاسم أن كتلة التنمية تؤيد تطويرها لجهة حسم موضوع البطاقة الممغنطة وتخفيض سن الاقتراع إلى سن ال18. وفيما يتعلق بموضوع المغتربين، قال هاشم النظام الانتخابي الأنسب والبطاقات الممغنطة تغنينا عن البحث في آلية اقتراع هؤلاء. حقبة الوصاية وليد جنبلاط من جهة أخرى، يرى عضو «جبهة النضال الوطني» النائب أكرم شهيب أن التوافق على قانون الانتخاب ضرورة، مشيراً إلى أن البتّ بالقانون الذي سيُعتمد يأتي قبل الكلام عن تشكيل حكومة حيادية للإشراف على الانتخابات المقبلة. وحيال موقف التكتل الاشتراكي من مبدأ النسبية، رأى شهّيب أن «اعتماد النسبية في قانون الانتخابات مغامرة في ظل الأجواء السائدة في البلد والأجواء المحيطة بنا»، وآمل إصلاح القانون الحالي أو التوصل إلى قانون يقتنع به الجميع. وفي السياق نفسه، كان رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط قد اعتبر في موقفه الأسبوعي لجريدة الأنباء الصادرة عن الحزب الاشتراكي أن اعتماد النظام النسبي كأساس لقانون الانتخابات النيابية المقبلة سيعيد «إنتاج حقبة الوصاية». ورغم أن جنبلاط ذكّر بأنه كان أول من نادى بالنسبية منذ ثلاثة عقود، صرّح أن «طرح القانون النسبي جاء من ضمن سلة متكاملة من المقترحات التي من شأنها أن تتكامل لتحقق إصلاحاً جدياً في بنية النظام السياسي»، لافتاً إلى أن «ما نشهده اليوم لا يعدو كونه مزايدات ترمي في نهاية المطاف إلى إسكات الصوت الآخر». و بذلك يبدو أن تكرار عبارة «نريد قانون النسبية» لدى السياسيين في لبنان لا يعدو كونه شعاراً يُستخدم في بازارات السياسة تعبيراً عن الانفتاح والرؤية الأشمل والرغبة في تمثيل أفضل يؤمنه قانون عصري. هذا في الشكل. أما في التطبيق فالمطلب الأساس يكون مضمونه «نريد قانوناً يزيد أعداد المقترعين في صناديق الانتخابات لصالحنا».