عزيزي المواطن العربي: إذا أطل برأسه أي (عمر سليمان) في هذا العالم العربي وقال بالحرف الواحد إن الشعب غير مهيأ للديمقراطية فلا تسخر منه، وصدقه حتى لا تهزم مرتين، فمن لم يصدقه آنذاك هو نفسه الذي لم يصدق أن مصر العظيمة بكل إنجازاتها الإنسانية والفكرية والسياسية والتي عانت كثيراً ثم ثارت واستخدمت للمرّة الأولى في تاريخها الطويل والممتد الحل السحري المسمى صندوق الاقتراع ليكتشف بأنها تعيد إنتاج نفس النظام الذي هتفت ضده وأسقطته. فالنتيجة كانت صادمه لكل من راهن على إرادة الشعب وصادمة لكل من سخر من عمر سليمان، فمصر بكل ما فيها أفاقت صبيحة العرس الديمقراطي لتفجع بوجه العروس القبيح! فبعد ثورة عظيمة اكتشف الإنسان المصري الثائر أن المشهد أمامه لم يتغير كثيرا وأن كل ما فعله أنه أخرج من الصندوق السحري نفس (الأعدقاء) وهم يتصارعون من جديد كما كانوا منذ زمن ما قبل الثورة وأن الخاسر الأكبر هي الثورة ومن صنعوها بدمائهم، واكتشف أيضاً أن خياراته كثائر تقلّصت كثيراً ولم يعد لديه في الصندوق السحري أكثر من ورقتين لاسمين يعرفهما منذ زمن أسود وطويل أو أن يعود لحياة ما قبل الثورة بكل ما فيها مع رصيد أكبر من المرارة والألم والحسرة على طائر الحرّية الذي طار من بين يديه. صدق عمر سليمان هذه المرّة، وكلمة الثورة لم تكن هي العليا، فهي وإن انتصرت على رئيس الجمهورية إلاّ أنها لم تنتصر على جمهورية الرئيس، فثلاثون عاماً من إنتاج الفساد كانت كافية أن تجعل الفساد عصيّاً ويحمي نفسه، والصندوق الذي كان حلماً أصبح كابوساً بعد أن أطل شفيق برأسه كمرشح رئاسي محتمل. عام ونصف والشعب يريد إسقاط النظام، فسقط مبارك، ومبارك وحده لم يكن النظام، ومرّة أخرى يفيق الجميع على حقيقة تقول إن للفساد عصابة تحميه، فالنائب العام ما قبل الثورة هو النائب العام ما بعد الثورة، تقدّم بكل براءة فيما سمي بمحاكمة القرن وقدم جناة الدم بلا قرائن وبلا أدلة وظل الفساد بريئاً والكل يهتف ضده! لم يكن عمر سليمان صادقاً وصدق، ولم تكن الثورة كاذبة وكذبت، فالثورة كانت تراهن على الحرّية وعمر كان يراهن على الجهل والفقر والعبودية، تلك الأدوات التي يعرفها عن قرب وهو يعرف كيف تكون كلمتها لأنه من صنّاعها. وهناك الآلاف من عمر سليمان في عالمنا هذا، ومصر العظيمة بثورتها قالت الكثير ومن أهم ما قالت إن الفساد حينما يكون كائناً أسطورياً يصنع دولته التي تحميه ونظاماً يجعله شرعياً وإنساناً يهتف باسمه ويسبح بحمده طويلاً وكثيراً. وأهم ما قالته مصر إن ثورة الحرّية يسبقها ثورات صغيرة تحارب الجوع والفقر والجهل وتصنع الإنسان الذي يصنع ثورة الحرّية. حفظ الله مصر وأعادها كأم رحيمة لأبنائها وللدنيا.