لم يدخل الناس الإسلام طواعية سوى بشيء واحد هو إنسانية هذا الدين، ومقدار ما فيه من تسامح ورحمة وبساطة، فليس الإسلام بالدين المعقد وليس النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الفظ الغليظ. ولكن يأبى نوع من الناس إلاّ أن يجنحوا بالدين إلى رهبانية وتشدد وتعقيد، يجعل الإسلامَ غريبا غيرَ قابل للتعايش، وبعيدا عن فطرة الآدميين. كم يغم أولئك أن يسمعوا بحديث البغِي التي دخلت الجنة بكلب سقته، وكم يتمنون أن يمحوا حديث الرجل الذي أتى زوجته عمداً في نهار رمضان، ثم عاد من عند الرسول صلى الله عليه وسلم بكيس طعام، وكم يتمنون أن النبي لم يُعط كعب بن زهير بُردته بسبب قصيدةِ مدحٍ للرسول الكريم جاء أكثرُ أبياتها غزلاً صريحاً.. وكم تمنى مثل أولئك أن لا تتضمن كتبُ السيرة نبأَ إمهال النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة التي أرادت تطهير نفسها من الزنا حتى وَضعت ثم حتى أرضعت الصبي، بدون ضمانات أو كفالات حضورية. إن هناك من جنحوا إلى أن وضعوا فرعا بسيطا موضعَ الأصل، ومن جعلوا مِن رأيِ فقيه محدث بابا من أبواب الدين، ومَن ألّفوا بعكس (إلا اختار أيسره)، وبوّبوا خلاف (ليعلم أن في ديننا فسحة)، وخالفوا (حدّثوا الناس بما يعلمون). ما أروع أن يقدَّم الإسلام بصورته الحقيقية كدين يراعي ظروف البشر، ويحاكي فطرتهم واقعاً قابلاً للتطبيق للواقعيين، ومثالية عليا لمن يستطيع.