مع أنني لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة على إطلاقها، إلا أنه لا شك أن هنالك من يستفيد من تحريك أوراق الطائفية واللعب بها في ظروف معينة لغرض تحويل الرأي العام تجاه قضايا جانبية بدلاً من القضايا الإستراتيجية والمصيرية الجامعة. والتجارب أثبتت أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية لديها فائض عاطفي قوي يسيطر على توجهاتها وانفعالاتها دون أي إدراك أو تمحيص. العالم كله مكون من جماعات وطوائف وأعراق، وتمر المجتمعات بفترات من الصراعات بل والحروب الأهلية التي تنتهي في العادة إلى الوصول لقناعات مشتركة بضرورة التعايش ومعالجة الأزمات عبر الحوار والتفاوض. أغلب مجتمعاتنا العربية ما تزال تصر على أن تعيش حالة التخندق والتشرنق ضمن أطر فئوية ومذهبية وقبلية ومناطقية وإثنية وطائفية، وأن تحول هذه الانتماءات الطبيعية إلى بؤر توتر وكانتونات ضيقة تميزها عن بقية المكونات الاجتماعية حولها. والأنظمة السياسية المستبدة من صالحها استثارة هذه الحالة وإبقاؤها حية، لأنها أولاً وأخيراً هي من يستفيد من تفاعل هذه التمايزات، لكونها تخدم بقاءها في موقع التفرد في السلطة وإضعاف أي منافس محتمل لها. المشكلة الكبرى تكمن في بعدها الثقافي والاجتماعي، حيث تبقي الطائفية جميع الفئات حذرةً من بعضها البعض، وشاعرةً دوما بأنها تشكل مصدر خطر على الأطراف المشتركة معها في مائها وترابها وعيشها ووطنها وثروتها. ويُتصوَر لكل طرف بسبب هذا التشرنق السياسي والثقافي والاجتماعي، بأن من حوله من فئات أخرى هي مصدر الخطر عليه، وخاصةً عندما يتم استحضار التاريخ والتراث في حالتنا الإسلامية بما فيه من تناقضات، ويتم إسقاطه بصورة مبتورة وغير سليمة على الواقع. لاغرو في أن ينساق عموم الناس ممن يكررون مقولات وآراء ومعلومات قد لا تكون صحيحة، وهدفها تعميق هذا التخندق وتسويق مبررات له، ولكن الأدهى أن ينجر بعض صناع الرأي والنخب المثقفة لجوقة المطبلين لما يبقي هذا التخندق والتشظي قائماً دون مراعاة لأية مبادئ دينية أو مصالح وطنية. من يتابع منا ما يجري في المنطقة العربية من اصطفافات ومواقف قائمة على أساس الأيدولوجيات والتبعية والتفسير الطائفي للأحداث، يرى ذلك واضحاً للعيان. فالتطورات السياسية المختلفة وما يتبعها من تحولات وتحالفات أو عداوات تكون مبنية في الأساس على مصالح معينة، ولكنها تغلف بغلاف أيديولوجي أو طائفي لتسويغ مبررات هذه المواقف، ولكسب أنصار ومؤيدين تحت هذه المسوغات. ينبغي الخروج إلى فضاء أرحب من شرنقة التصورات الطائفية الضيقة، والتي تفقد الواحد بوصلته الإنسانية السليمة أو المصلحة السياسية وتجعله في كثير من الأحيان يتخذ الموقف ليس استنادا على رؤية سياسية واضحة وإنما على أساس ميوله الطائفية.