قرأت بكثير من الاستمتاع مقال الكاتبة «وفاء الرشيد» حول المرأة والسياسة. وهالني حجم الهجوم الذي تعرضت له من بعض القراء، وخصوصا السيدات. وأنا هنا لن أناقش المقال أو أحاول الدفاع عن «الزميلة وفاء الرشيد». ما أود الحديث عنه هنا هو أقرب إلى قصة شخصية حدثت لي مع صديقة كندية. سألتني هذه الصديقة: لماذا يعتقد بعض الرجال أن المرأة أدنى منهم وأنها فقط تستطيع أن «تفتنهم»؟ لماذا يتعاملون معها كجسد فقط؟ الواقع أنه كان لدي وقت طويل من أجل أن أحدثها بما أعتقد على مدى ساعات. سأحاول هنا أن ألخص بعض ما أجبت به على سؤالها. للتبسط سأقول بأن تاريخ المرأة عرف ثلاث مراحل هامة. المرحلة الأولى هي مرحلة ما قبل الأديان الثلاثة الكبرى. للأسف لسنا نعرف الكثير عن هذه المرحلة التي استمرت آلاف السنين. لاحظ أن عمر الأديان يقارب فقط ثلاثة آلاف عام، من عمر الحضارة المقدرة بنحو عشرة إلى خمسة عشر ألف عام. أيا يكن من أمر، فإن ما وصلنا عن هذه المرحلة من نصوص ونقوش يسمح لنا على الأقل بتصور بدائي عما كان عليه وضع المرأة. في هذه المرحلة التي تعرف غالباً بالوثنية (لأنها سبقت ظهور الأديان الكبرى) كانت المرأة في منزلة أعلى من منزلة الرجل. حيث لا يظهر إلا نادرا ذكر للرجل الفيلسوف أو المقدس. كل هذا كان يخص المرأة فقط. لأن المرأة اعتبرت رمزا للاكتمال والخصوبة والإنتاج. ولذلك كانت خدمة المعابد مقصورة على الرجال الخصيان. وهذا لأن الخصاء كان دليلا على اقتراب الرجل من طبيعة المرأة، إذن هو اقتراب من الاكتمال. وبخلاف الخصاء كان الختان موجودا، وكان الهدف منه تطهير الرجل، ولا يتم هذا «التطهر» إلا بصناعة عقد من بقايا الختان تلفه المرأة المقدسة – بمفهوم هذا العصر- حول جيدها. ولذلك كانت المرأة في النصوص القديمة هي «عشتار» و»إيزيس». وحتى في النصوص المتأخرة نسبيا (حوالي 1500 قبل الميلاد) تظهر «بينيلوبي» جنبا إلى جنب مع «هيلين» الفتاة التي هربت مع «باريس». ورغم أن النص غير واضح في هذا الصدد، إذ تذهب بعض المصادر إلى أن «باريس» اختطفها (وأنا أميل لهذا الاحتمال لأن صورة المرأة المغوية والغاوية لم تكن ظهرت بعد في المتخيل الإنساني) ويذهب بعضها إلى أنها رافقته طواعية. المرحلة الثانية هي صورة المرأة في العهد القديم. وخصوصا في سفر التكوين. ويعتقد أن العهد القديم كتبه «عزرا الكاتب» (نحو 500 عام قبل الميلاد) بوحي من «روح قادوشيم» أي الروح القدس. هذا التاريخ التقديري تذهب دلائل ضعيفه إلى أنه بعد وجود النبي موسى عليه السلام (النبي المعروف في العهد القديم وكذلك في القرآن الكريم) بنحو 500 عام أيضا. يحكي العهد القديم أن المرأة خلقت من ضلع الرجل وأنها أغوته لأكل الثمرة المحرمة، بعدما أغوتها الأفعى. لذلك لن نستغرب حين يغضب المسيح من حواري اليهود ويقلب الطاولة في وجوههم صارخا: «يا أولاد الأفاعي». صورة المرأة في المسيحية والإسلام مختلفة، وتعد انقلابا على اليهودية. حيث المرأة هي أم المسيح التي تحمله وهو النبي وهي كانت عذراء. والقرآن الكريم يكرم المرأة ويحفظ لها حقوقها ويخبرنا بأنها لم تغو الرجل بل الشيطان أغواهما معا لأكل الثمرة المحرمة. وفي مرحلة «القرون الوسطى» التي تطلق على الفترة الوسطي (ما بين القرن ال5 والقرن ال15) الناشئة من تقسيم تاريخ أوروبا إلى ثلاثة أقسام (عصور) هي: العصور الوسطى المبكرة، والعصور الوسطى المتوسطة، والعصور الوسطى المتأخرة، استمرت صورة المرأة أقرب لما كانت عليه في اليهودية. واستمر ذلك أيضا في العصور الحديثة. حتى نصف قرن خلا. حيث بدأت الحركات التي تطالب بحقوق اجتماعية وسياسية واستقلالية للمرأة عن سيطرة الرجل على كافة مناحي حياتها. وكان ذلك غالبا باسم الدين. ومن الطريف أن نعرف أن حق الانتخاب للمرأة حصلت عليه المرأة الإيرانية (التي يريد الملالي لها أن تتغطى بالشادور وأن تهب نفسها متعة للرجل) قبل المرأة في فرنسا التي لم تكن حتى عام 1945 تمتلك حق فتح حساب في البنك دون إذن زوجها أو والدها، ولم تكن حتى عام 1954 تمتلك حق التصويت في الانتخابات. ثمة أمر طريف آخر يتعلق باللغة الفرنسية (ومن خلال الحديث مع كثير من الفتيات الفرنسيات غير المثقفات أي متوسطات الثقافة فهن لا يعرفن ذلك) وهو أن مفردتي «مدموزيل» التي تعني الفتاة غير المتزوجة و»مدام» التي تطلق على المرأة المتزوجة، هما فقط للدلالة على انتقال الوصاية من الأهل إلى الزوج. والحديث يطول.