في علاقة الإعلام عموماً والصحافة خصوصاً مع السلطة والمجتمع في عالمنا العربي نوع من الشّد والجذب الذي يتلبّسه كثير من الرّيبة في كلتا الحالتين، فهي -أي الصحافة- إن انشدّت إلى النّاس لحقتها الرّيبة من السلطة وإن انجذبت إلى السلطة لحقتها الرّيبة من النّاس، ولن تستطيع الانفكاك من حالتي الرّيبة هذه إلاّ إذا تمكنت من خلق حالة من التواصل الجاد والشفّاف مع الطرفين، والتواصل الجاد والشفافيّة ينعدم وجودهما في الأجواء الخانقة التي لا تسمح للصحافة أن تطرق كل الأبواب وتسير بثقة وبحرّية في كل الاتجاهات بما يمكنها من التعاطي مع الأفكار الاجتماعية والسياسية والثقافية بكل وضوح وبلا مواربة. ليس من مهام الإعلام بوصفه أحد أشكال الحريات العامّة التسبيح بحمد الأنظمة والتهليل صباح مساء لكل قرار، فمن طبيعة الإعلام الحر أن يقف في المنتصف وهذا ما يُكسبه قوّته واحترامه. وكان لتجارب إعلاميّة عربيّة سيطرت لزمن المقدرة على اختطاف الآراء المعاكسة وضربها وأصحابها بقسوة، ك(صحّافيّات) الإعلام الصدّامي المُهيب من قبل وكذلك (عقائديات) إعلام العقيد من بعد حتى أصبحت تلك التجارب مثار سخرية الجميع وتحوّل بكل ما فيه إلى طرفة من طرائف العصر. في المقابل هناك دول أصبحت وزارات الإعلام لديها مجرّد ذكرى بعد أن تخلّت عنها وتركت الفضاء مفتوحاً بلا أدنى خطوط ولا خوف وأصبحت حياتها أسهل وأجمل أيضاً! ما يشهده إعلامنا السعودي من قفزات نشعر معها أنه حقق شيئاً من معادلة التوازن بين النّاس والسلطة لكن انجذابه الأخير إلى النّاس ومتطلباتها في قضايا التنمية جعل الطرف الآخر ينظر له بقلق أكبر فكم قرأنا من خبر يحوي استفهاماً ظل معلّقاً في جدران الحيرة وبقي إلى هذه اللحظة يلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد. ليس من مهام الإعلام (النواح) في المآتم فقط، وليس من مهام السلطة التخلّي عن الأسئلة التي يطرحها الإعلام وتعليقها على مشجب الرّيبة الدائم، وتجاهلها قد يربك المشهد أكثر فالإعلام شريك أساسي في كل القضايا التنموية ويجب أن تتحمّل السلطة مسؤوليتها في التفاعل مع ما ينشر وما يكتب من نقد بكل موضوعيّة وأن تبتعد كثيراً عن تنزيه نفسها، فأنا وغيري كثيرون مازلنا لا نفهم كيف نوفّق بين مكافحة الفساد الذي أنشئت من أجله هيئة مجرّد قيامها بأمر ملكي يعني على الأقل اعترافا بوجود الفساد، كيف نوفق بينها وبين عدم الرد على بعض ما ينشر في الصحافة؟! هنا خلل كبير يجب إصلاحه أولاً ثم هو مؤشر يدل على أن الرّيبة من الصحافة والإعلام لدى البعض لاتزال قائمة! ولا أريد أن أقرأ لكم تقارير تتحدث عن ترتيبنا في مؤشر حرية الصحافة في العالم فالرقم لا يعكس واقعنا الذي نثق به ولا يتطلّع معنا لمستقبلنا الذي نحلم به على الأقل. لذا يجب احترام هذه المرحلة التي يتسيّد مشهدها ملك القلوب ورجل الإصلاح الأول والعمل على تحسين صورتنا بالتفاعل الإيجابي مع ما يطرح من الإعلام باعتباره سلطة كما يقال عنه دائماً!