الرياض – وسمي الفزيع في الرواية السعودية.. كلما أغرقنا في المحلية وصلنا إلى العالمية الناس البسطاء لديهم مطالب أبسط من خطابنا النخبوي بكثير من الممكن أن نحقق مصالح الولاياتالمتحدة ومصالحنا أيضاً عندما أزور الدمام الآن أبحث عن تلك التي لم تعد موجودة الفساد قضية كبرى عندنا تهدد كيان المجتمع والدولة معاً الانقلابات العسكرية كانت تأتي باسم الشعب فتقضي على نصف الشعب يرى المفكر والروائي تركي الحمد في حواره مع «الشرق» أن الانقلابات العسكرية مثل ثورة يوليو في مصر، وتموز في العراق، والثورات في سوريا من عام 1948 إلى عام 1963 كانت انقلابات عسكرية تأتي باسم الشعب، وفي النهاية هم يقضون على نصف الشعب. ويضيف أن جان بول سارتر عرَّف المثقف أنه الذي يتعامل مع القضايا العامة، وله موقف منها. وأضاف أن المؤسسات الثقافية عندنا لا تساهم في رفع الوعي، لسبب بسيط، وهو أنها جزء من الأجهزة الرسمية، وجزء من البيروقراطية الحكومية: * اتجهت لكتابة عملين بعيدين عن أجواء أعمالك الروائية، هما «ويبقى التاريخ مفتوحاً»، إلى جانب «ومن هنا يبدأ التغيير». هل كنت تقرأ تغييراً ما، كما أومأ الكتاب الثاني المنشور في 2004، قبل سبع سنوات من عام الربيع العربي؟ لم أكن أتوقع أن يكون هناك ربيع عربي، أو أن يكون بهذا الشكل، وهذه السرعة، والكتاب كان يقرأ الواقع بمعنى أنه يجب أن يكون هناك تغيير ونوع من الإصلاح، ولأن التغير سنة الحياة، وأمثل هذا بالماء إذا حبس أسن، فبالتالي التغير والحركة هما أساس الحياة. والفساد ممكن أن تترتب عليه أشياء كثيرة، وقد يتنبأ بالنتيجة أنه في حالة لم تصلح الأوضاع فإنه ستحدث بعض الأمور، لكن ليس بالربيع العربي. * هل تعتقد أن توالي أحداث التغيير الراهن في العالم العربي تشير إلى ثورات شعبية حقيقية، أم إلى حركات إصلاحية تستهدف التردِّي الحياتي في البلدان التي شهدتها؟ هي ثوران شعبي، ولحد الآن لا تستطيع أن تسميها ثورة، لأن الثورة هي تغيير جذري للمجتمع، وهذا الهيجان هو رد فعل نتيجة القمع والفساد والاضطهاد وتكميم الأفواه. * لك مقولة سابقة تقول فيها «الأنظمة الثورية تأتي باسم الشعب، ولصالح الشعب، فتقضي على الشعب ومصالح الشعب». هل تتمسك بما قلت مع ما يدور عربياً حالياً؟ قلت هذه المقولة لأننا تعودنا في عالمنا العربي على أن نسمي الانقلابات العسكرية «ثورات»، ومثلاً هناك ثورة يوليو في مصر، وتموز في العراق، والثورات في سوريا من عام 1948 إلى عام 1963 كانت انقلابات عسكرية تأتي باسم الشعب، وفي النهاية هم يقضون على نصف الشعب، والشعب الذي يتحدثون عنه هو شعب تجريدي موجود في مخيلتهم، أما الشعب الحقيقي فيُقضى على نصفه، أو أكثر، وعندما قلت هذه المقولة كنت أقصد الثورة بمفهوم عربي، أي الانقلابات العسكرية التي حدثت. * هل يمكن أن تؤدي الثورات الحالية إلى نوع من الطغيان، مثلما حدث في الثورة الفرنسية؟ في الوضع الراهن، لا أظن. لأن الشعوب العربية اكتسبت الثقة بالنفس، وعرفت أن جدار الخوف قد سقط، وأكبر دليل على ذلك أنظمة تونس ومصر وليبيا؛ ولا أعتقد ذلك لأن من تحرك هذه المرة هو الشعب الحقيقي، وليس الشعب الموجود في أذهان الانقلابيين. * وسط رياح التغيير ل»ربيع العرب»، برز تيّار «الإخوان المسلمين» من جديد للواجهة. فهل بروزه يعد إفرازاً طبيعياً لأسباب موضوعية؟ أم أن المسألة لا تعدو كونها موقفاً انتهازياً؟ الأحزاب الإسلامية بشكل عام كانت مقموعة أيام أنظمة الحكم السابقة، وكان من الطبيعي أن يصبح الشيء المقموع مرغوباً بشكل أو بآخر، وكانت أطروحاتهم أطروحات جماهيرية، فلما قامت الثورة وانتهى القمع كان من الطبيعي أن يتجه إليهم الناس، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا سيفعلون في المستقبل؟ هل سيجيرون هذه الثورات لصالح أيديولوجياتهم، أم سيكونون فعلاً حكاماً لكل الناس؟ وهل سيقدمون حلولاً عملية، أم أنهم سيتشبثون بمقولاتهم الأيديولوجية، وفي النهاية لا يستطيعون إدارة البلاد، وبالتالي ستنتهي فترة حكمهم إلى فشل ذريع، هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه الأيام. وأهم سؤال في ذلك: هل لديهم استعداد للقبول باللعبة الديموقراطية كما هي فعلاً؟ أم أنهم سيستغلون الديموقراطية للقضاء على الديموقراطية كما فعل هتلر في ألمانيا عندما جاء نتيجة انتخابات شعبية ديموقراطية، لكنه عندما وصل إلى سدة الحكم والسلطة قضى على هذه الديموقراطية فهل سيفعلون ذلك؟ أعتقد أن هذا هو الاختبار الحقيقي لهم في المستقبل. * لنعد لأجوائك الكتابية، ونربطها بما يدور حولنا، مع تأكيد ملامح عودة «الإخوان». بعد إصدارك ثلاثية «أطياف الأزقّة المهجورة» قبيل نهاية القرن الماضي، أشغلت التكفيريين كثيراً بتلك الروايات، فهل يمثل فن الرواية سلاحك الفكري الأهم في كتاباتك؟ هي جزء من السلاح الفكري، لأن الرواية مقروءة على نطاق أوسع، ولو كتبت فكرك في كتاب، أو بحث علمي، سيكون تداوله محدوداً بين المختصين، ونخبة ثقافية معينة، ولكن الرواية جماهيرية بطبيعتها، ويقرأها الصغير والكبير والشاب والفتاة والجميع، وبالتالي من السهل أن إيصال أفكارك من خلال الرواية، وهي من هذه الناحية أفضل من البحث والكتاب المجرد، ولذلك فالرواية بالإضافة إلى كونها فناً ومتعة هي وسيلة لإيصال الفكرة. * تخصَّصت أكاديمياً في «النظرية السياسية»، وعملت محاضراً جامعياً، ولك اهتماماتك الثقافية في الإطار الفكري والروائي، فإلى أي الهمين أن أقرب: الهم السياسي، أم الثقافي؟ إلى الدمج بينهما، والقضية ليست قضية هذا أو ذاك، وأنا لا أفرق بين الأنماط الثقافية، أو بين الأنواع الثقافية، وأعتبر التنظير في السياسة والحديث جزءاً من الثقافة، وجان بول سارتر عرَّف المثقف بأنه الذي يتعامل مع القضايا العامة، وله موقف منها، والمسألة بالنسبة لي هي الفكرة التي تربطهما معاً، والمتلقي هو الذي يحدد النمط الثقافي الذي تتجسد فيه الفكرة، وبالتالي يتم تجسيد الفكرة حسب المتلقي، وليس كما أقررها أنا، لأن الثقافة في اعتقادي كلها جزء لا يتجزأ ترتبط بفكرة معينة، سواء طرحت من خلال رواية، أم وسائل أخرى. * نلت الماجستير والدكتوراه من الولاياتالمتحدة، ولك نظرتك الفكرية والسياسية في مسألة استمرار هيمنة المشروع الأمريكي على المنطقة العربية والخليجية. هل هناك أدوات متجددة مع التغييرات الراهنة لمواجهته، أو التماشي معه موضوعياً؟ الولاياتالمتحدة دولة كبرى، ولها مصالح في المنطقة، وهي حريصة على هذه المصالح، وأي وسيلة تجدها مناسبة لتحقيق مصالحها من المؤكد أنك ستعمل بها، وهذا منطق الدولة، وإذا كانت تطورات الربيع العربي تستطيع أن تلج من خلاله لتحقيق مصالح معينة لن تتردد في ذلك، وما يجب أن نعرفه هو كيفية الحفاظ على مصالحنا، وإذا كان هناك نوع من التصادم مع المصالح الأمريكية، أو التوجه الأمريكي، يجب أن نصل إلى نقطة التقاء بالمصالح، حيث من الممكن أن تحقق مصالح الولاياتالمتحدة ونحن نحقق مصالحنا أيضاً. * هل تعتقد أن إيقاع حركة الإصلاح في السعودية حالياً يستجيب فعلاً لما يطمح إليه المواطن السعودي، ويتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة؟ في جزء كبير نعم، وفي جزء آخر لا، والمواطن البسيط يريد الأمن ولقمة العيش الميسرة والفرص الوظيفية والنظر إلى المستقبل بتفاؤل واطمئنان، ويريد أن يكون حراً في تصرفاته إلى حد ما، وهي أمور بسيطة، والمصلحون السعوديون لامسوا هذه الأمور إلى حد ما، لكنهم لم يطرحوها بشكل كامل، ومازال الخطاب نخبوياً، ومثل هذه البيانات لو وزعت على الناس البسطاء لن يهتموا بها، وحتى لن يفهموها، المواطن البسيط لديه مطالب أبسط من هذه الأمور بكثير. * لا يخفى أن سنوات شبابك ومرحلتك الجامعية، تشهد بدخولك السجن لنحو عامين لأسباب سياسية.. كيف تقيس معايير التعبير عن قضاياك الشخصية وأنت شاب، وفق معاييرك الفكرية الراهنة وآفاق التغيير الراهنة في المجتمع السعودي؟ لكل فترة زمنية طريقتها في التعبير، ففي فترة الشباب كان الحماس والاندفاع والإيمان المطلق بالمبادئ التي اخترتها، وكانت طريقة التعبير عن ذلك هي الانضمام لتنظيمات معينة، والعمل من خلالها، وكانت متاحة في ذلك الوقت، ولم يكن متاحاً أن تعبر عن نفسك على سطح الأرض بشكل عام، وفي هذه المرحلة قد تكون لديك المبادئ ذاتها، وهذا موجود، لكن الاندفاع ليس عنوان المرحلة، والعنوان هو أن أوصل هذه الأفكار، وأحاول أن أحقق أهدافي بالإصلاح والتغيير بطريق سلمي من خلال النظام، وليس بالخروج عن النظام. * ينشغل السعوديون الآن – فيما يبدو – أكثر بقضايا معيقة للتطور والنماء، مثل الفساد والبطالة والفقر، أكثر من صراعات الأضداد بين التيارات الفكرية. هل هذا الوضع صحيح؟ الفساد قضية كبرى عندنا، وهي قضية تهدد كيان المجتمع والدولة معاً، والبطالة معضلة الشباب، وقضية تهدد الاستقرار في المجتمع، وكلها قضايا خطيرة، ويجب أن تناقش وتوضع لها حلول، وهذا لا يعني أن صراع التيارات يجب أن ينسى، لأن كل إنسان لديه طريقته في معالجة تلك القضايا، وهذا يحدث احتكاكاً، لكن هذا الاحتكاك لا يجب أن يطغى على مثل هذه القضايا، ولا يصل لدرجة أن يكون هو الهاجس، بحيث يكون هم الناس هو تقسيم بعضهم إلى ليبرالي، وإسلامي، ورد كل طرف على طرح الطرف الآخر، ويجب أن يكون هناك نوع من الاتفاق أن هناك أموراً جوهرية يجب أن يتفق عليها الطرفان، لأنها تمس الجميع، ففي النهاية نحن في قارب واحد، وعندما يخرق أحدهم السفينة كي يغيظ الطرف الآخر، فإننا كلنا سنغرق، ويجب التكاتف والتحالف حتى في مثل مواضيع البطالة والفساد، لأنها هي التي ستغرق الجميع. * صراع الأضداد يشغل من يراقبه – منتشياً أو متأذّياً – بالاهتمام المستغرب من بعض أطرافه المختلفة بإظهار شكليات التصنيف وفق التسميات الاصطلاحية ما بين ليبرالية وعلمانية وسلفية وأصولية، وما إلى ذلك من مصطلحات.. فهل الإقصاء بين هذه الأطراف جوهري أم شكلي، بمعنى آخر هل يبدو الأمر مثل موضة، أو موجة عابرة؟ ليس جوهرياً، ونحن ما زلنا حديثي عهد في مثل هذه الأشياء، وحديثين على فكرة أن يكون لدينا تيار علماني، أو ليبرالي، أو إسلامي، وكان لابد من وجود نوع من الحماس أو المبالغة في الصدام والصراع بين هذه التيارات، وأنا أعتقد أن تلك موجة عابرة، لأن الجميع يدركون في النهاية أننا يجب أن نتعايش معا، لأن ما تجمعنا هي المواطنة، وكلنا مواطنون، وكلنا ننتمي إلى الأرض نفسها، والوطن نفسه، ويجب أن نتعايش كي يبقى هذا الوطن، وسياسة الإقصاء ستنتهي، ومن الخطأ أن يحاول كل طرف إقصاء الطرف الآخر، وكل طرف له الحق في الوجود، وليس له الحق لنفي الآخر، وفي النهاية سيدرك الجميع أن التعايش السلمي بين هذه الفئات هو الذي سيحقق بقاء السفينة عائمة على وجه الماء، وهذا ما حصل في تاريخ الدول التي مرت بهذه التجربة، سواء في أوروبا، أم آسيا، أم أمريكا. في البداية، كان الصراع بين هذه الأطراف دموياً في بعض الأحيان، لكي يقوم كل طرف بإقصاء الآخر، وفي النهاية وجدوا أن هذا لن يؤدي إلى حل، والحل هو في التعايش، وأن تكون المواطنة جامعة للجميع، وأن تكون حرية التعبير مضمونة للجميع بغض النظر عن أي اتجاه نتحدث عنه. * لنعد إلى مقولة سابقة لك أيضاً، قلت فيها: «التاريخ يحكمه التنافس، ودائماً البقاء للأفضل، وليس من العدل أن يتساوى العاملون والقاعدون حقيقة الأمر، مهما كان حبنا للقاعدين، وبغضنا للعاملين». هل أنت راضٍ عمّا قدمته، وهل تعجبك مواقفك، أم أنك تراجع كل ما يجري حولك؟ لا يمكن أن أتراجع عن قناعاتي الفكرية والمبدئية، وهي تشكل أساساً، ومعنى الحياة بالنسبة لي، والحياة بلا معنى لا قيمة لها، ولن تكون حياة، ولن يكون هناك فرق بين الإنسان والحيوان، فالحيوان لا معنى لحياته يعيش كونه يعيش لمجرد العيش، أما الإنسان فلديه قناعات ومبادئ معينة. قد يكون الأسلوب تغير، لكن المبدأ نفسه لن يتغير. أما عن مقولة أن التاريخ يحكمه التنافس، فأنا مازلت مؤمناً بها، ومثالي على ذلك أننا كمسلمين نعتقد أننا أفضل خلق الله على الأرض، ونكفر كثيرين، بينما هؤلاء الكثيرون هم الذين صنعوا لنا المنتجات الحديثة، والدواء الذي نتناوله، وهم الذين صنعوا لنا الطائرات والسيارات والتكنولوجيا والاتصالات الحديثة، فهل يكافئنا التاريخ فقط، لأننا مسلمون؟ أم يكافئهم لأنهم عاملون؟ أنا أعتقد أن التاريخ يكافئ من ينتج، لا من يقول أنا كذا وكذا! وهنا، ما الفرق بيننا وبين اليهود الذين يقولون إنهم شعب الله المختار! على أي أساس هم شعب الله المختار، ونحن نقول نحن أفضل خلق الله، ونحن الأمة الوسط. هذا كلام سليم، لكن ماذا فعلنا، وماذا صنعنا؟ * هناك حراك انتخابات يتحرك في الشارع السعودي، بعد تجربتي الانتخابات البلدية، على الرغم من عدم تعاطي الجمهور مع آخر انتخابات كما يجب. هل تسير الفكرة في الاتجاه الصحيح، أم يجب اتساع الفكرة أكثر لتنفيذها باتساع أيضاً؟ طبعاً تحتاج إلى اتساع أكبر. وفي التجربة الأولية، أنا شاركت في الانتخابات، ومارست حقي كمنتخب، لكن بعد مرور سنوات على المجالس البلدية، أصبح الناس يبحثون عن النتائج، وليس الموضوع هو إجراء انتخابات لمجرد الإجراء، فالانتخابات هي ثقافة، والانتخابات البلدية بدأت في تعزيزها، ولكن ما لم تتسع هذه الانتخابات لتشمل مؤسسات أكبر من المؤسسات البلدية، كمجلس الشورى مثلاً، أو يكون هناك مجلسان أحدهم منتخب، والآخر معين، كمجالس اللوردات، والعموم في بريطانيا، لن تنجح تجربة الانتخابات، ولن يثق فيها المواطن، ولن تصبح ثقافة مجتمعية. يجب أن تترافق الانتخابات مع نوع من نظام الرقابة والمحاسبة للذين انتُخبوا، والبحث عن الإنجازات التي حققوها.وفي المؤسسات الأخرى أيضاً من المفروض أن تكون الانتخابات أساساً فيها، كالجامعات على جميع المستويات، من رئاسة الأقسام العلمية، إلى عمادات الكليات، إلى رئاسة الجامعة، وفي السابق كانت موجودة، ويجب أن تكون التجربة الانتخابية شاملة معممة، وليست قاصرة على أجزاء معينة فقط، ومن الممكن أن نجعل الثقافة الانتخابية في مؤسسات المجتمع المدني كافة، أما جعلها قاصرة على المجالس البلدية، دون نتائج، أو محاسبة لهذه المجالس، وعدم تنفيذ الوعود التي قدمها الأعضاء، فستكون بلا قيمة. * يغيب العمل المنشود لمؤسسات المجتمع المدني، كما تغيب هيكليتها وفاعليتها. هل مع هذا الغياب الجزئي، أو الكلي، شذرات أمل لتحقيق الإصلاح المنشود؟ الأمل هو أساس الحياة، وأنا لا أفقد الأمل، لكنني أراه بعيداً، والزمن الآن متسارع، فإذا لم نسارع ونلحق بهذا الركب، وهذا القطار، ونحاول أن نفعل الكثير، فإن المشكلات ستتراكم عندنا، والخيوط ستتشابك، بحيث إننا لن نستطيع أن نفكها عن بعضها، وما يقابل هذا التسارع من تباطؤ نمارس فيه حياتنا في مجتمعنا هذا الذي يجعل الأمل يتضاءل. * وفق إلمامك الباذخ بتخصُّص العلوم الإدارية والنظرية السياسية، تتلاشى لدينا عربياً ومحلياً فكرة «دولة المؤسسات»، بحيث لا تتغير قيادة أية مؤسسة من مؤسسات الدولة، في حال تغيير مديرها، أو وزيرها. كيف نصل إلى هذا المفهوم المدني المستقر؟ نصل إلى هذا المفهوم عندما يكون هنالك إيمان حقيقي بأن الحكم للقانون، وليس للأشخاص، ففي الدول ذات المؤسسات الثابتة تكون المؤسسة محكومة بضوابط وقوانين معينة لا يستطيع أي شخص أن يخرقها، والإبداع موجود، فعندما يأتي شخص كوزير، أو مدير، يضيف لمسات شخصية، ولكنه لا يستطيع أن يغير من شخصية المؤسسة، فحكم القانون هو الأساس، وعندما يتغلغل القانون في كل جزئية في مجتمعنا، فهذا هو الضمان الوحيد. وفي مجتمع مثل المجتمع السعودي، القضية ليست قضية أن المؤسسة تبقى شخصيتها قائمة ومستمرة، بل القضية هي في خلق مؤسسات جديدة، فعندما تتكاثر المؤسسات فإن معنى ذلك هو ترابط الدولة، لتكون دولة قائمة على المؤسسات، والدولة القائمة على المؤسسات هي الدولة الأكثر استقراراً، والأكثر ازدهاراً أيضاً، أما الدولة القائمة على الأشخاص فإنها تتغير بتغير الأشخاص، وبالتالي لا يتحقق الاستقرار، ولا تحقق الاستمرارية، و»الشخصانية» هي عدوة الاستقرار، وعدوة الاستمرار، بينما المؤسساتية هي أساس الاستقرار، وهي لا تكون إلا بحكم حقيقي للقانون النابع من إرادة المجتمع، ويحقق حاجاته والعدالة لأفراد المجتمع. * هل يكفي الحراك الثقافي السعودي في مستوياته وأدواته الحالية لتحقيق مطامح الوصول إلى العالمية، على الرغم من قبسات بعض الجوائز الإقليمية والدولية؟ نحن ما زلنا في أول الطريق، وأعتقد أن بداياتنا مشجعة، ولكي نصل إلى العالمية نحن بحاجة إلى وقت من الخبرة وسنين طويلة، وكلما أغرقنا في المحلية كلما وصلنا إلى العالمية، ونرى كثيراً من الروايات السعودية تتحدث عن أمور لا يعرفها العالم عن مجتمعنا، ودخلت في خفايا المجتمع وثناياه وتفاصيله، وكل الأعمال الأدبية والروائية التي وصلت إلى العالمية كانت تتحدث عن شؤون محلية تفصيلية، كالروايات اللاتينية، أو الإفريقية. * مؤسساتنا الثقافية، من أندية أدبية، وجمعيات فنون، ومسارح، ومراكز تشكيلية، وغيرها، هل تواكب مفاهيم رفع الوعي والتنوير شعبياً، أم أنها مجرد «مركاز» لمرتاديها، حين يشعرون ب»غربة» في مجتمعهم؟ قطعاً، لا تساهم في رفع الوعي لسبب بسيط، وهو أنها جزء من الأجهزة الرسمية، فالمراكز الثقافية السعودية في مجملها عبارة عن جزء من البيروقراطية الحكومية، وبالتالي لا تستطيع أن تمارس دورها بحرية، والثقافة لا تقبل القيد، والأجهزة الرسمية مقيدة، فبالتالي لا تستطيع أن تمارس حريتها بشكل معين، حتى في الدول التي ازدهر فيها الأدب لا يوجد فيها وزارة إعلام، والمؤسسات الثقافية يجب أن تكون من مؤسسات المجتمع المدني المستقلة، أما إذا بقيت جزءاً من البيروقراطية الحكومية فلن تفعل شيئاً، وستنشر خطاباً رسمياً، أو ستكون محددة بخطوط حمراء، وبالتالي لن تنشر ثقافة شعبية، ولا وعياً شعبياً. * ألا يمثل شعور بعض المثقفين ب»الغربة المجتمعية» خطأ فادحاً بالنسبة إليهم، وهم المعنيون بتحقيق الرباط الوثيق بين الفكرة ومتلقيها، خصوصاً أن المتلقي البسيط، و النخبوي، لا يجب أن ينفصلا عن المجتمع؟ المثقف في كثير من الأحيان يشعر بالغربة المجتمعية، لأنه يفكر بعقلية معينة، بينما يسير وفق ثقافة معينة، أو أنه لا يفهم هذا المثقف، وقد يكون ذلك خطأ المثقف، لأنه لم يبسط خطابه ليصل إلى المجتمع، فهو عرضة للغربة المجتمعية، والمفروض أنه لا ينفصل، فالمثقف في نهاية المطاف هو إنسان، ومن المفترض أن يسأل نفسه عن محاولاته لتبسيط خطابه، وهذه مثل حكاية «كهف أفلاطون»، عندما وجد كهفاً ولد فيه أناس وكبروا ووجدوا أن هذا عالمهم بداخل الكهف، وتجرأ أحدهم بخروجه من الكهف، فوجد عالماً مختلفاً، والكهف ليس شيئاً بالنسبة لهذا العالم، فهل يعود إلى الكهف ويبلغهم بأن هناك عالماً ثانيا أفضل؟ أو أنه يستمتع ويتركهم؟ والأكثرية لن تعود للكهف، والأقلية هي التي ستعود إلى الكهف، وهذا هو الفرق بين الذي يسعى لنشر الوعي في المجتمع، وبين المثقف الذي قد يُصدم بحواجز معينة، وبالتالي ينعزل على نفسه، ويعيش غربته الشخصية والمجتمعية. * هل يملك الإعلام السعودي بمختلف وسائطه التي يشار لعدد منها عربياً وإقليمياً، المنطق الحقيقي لتوجيه الرأي العام محلِّياً؟ مع أن الإعلام السعودي مؤسسات خاصة، إلا أنه مرتبط ببيروقراطية معينة، وبالتالي هو ملتزم بسياسة معينة، ولا أعتقد أنه يوجه الرأي العام، ولأجل ذلك تجد أن الإشاعة تنتشر كثيراً في مجتمعنا، وهنالك أفكار معينة تنتشر في المجتمع لا تدري من أين تأتي، وهي التي توجه المجتمع، وليست الصحافة، وحتى توجه المجتمع يجب أن تكون لها حريتها الكاملة، وبغير ذلك ستفقد ثقة الناس. * أقمت في الدمام ردحاً من الزمن. هل تحتل مساحة محدَّدة من خارطة فكرك وخيالك؟ الدمام التي عشت فيها سنوات الطفولة والمراهقة هي جزء من روحي وكياني، وعندما أزور الدمام الآن أبحث عن تلك الدمام التي لم تعد موجودة، فالأماكن في أنفسنا ليست مجرد أبنية وشوارع، هي أشخاص، وأحداث، ومدينة تتحدث. مدينة لها روح، لكن ليست الدمام الحالية، فلا أنتمي لها، ولا أعرف عنها شيئاً. وأنا أتكلم هنا عن دمام الستينيات. د. تركي الحمد