قبل قرن من الآن، كتب جوزيف كونراد روايته الشهيرة (قلب الظلام).. كانت محض رواية تتناول الإمبريالية، واعتبرها إدوارد سعيد الكتابة التي تمهد الأرض للغزاة والمستعمرين.. شخصياً آمنت بتلك الرؤية التي ذهب إليها إدوارد سعيد، وكرهت الرواية قبل قراءتها منطلقاً من كراهتي للاستعمار، وظللت زمناً أدندن على وتر إدوارد سعيد.. حارماً نفسي -كما اكتشفت فيما بعد- من متعة رواية تقطر شعراً، نعم إن لغتها لتقطر شعراً جميلاً -هذا وهي مترجمة (قام بترجمتها إلى العربية صلاح حزيّن) وكانت لغتها آسرة جداً، وفاتنة جداً، وهناك صفحات كاملة مليئة بالشعر العذب، بيد أنني تحررتُ من تلك الرؤية النقدية بعد قراءتي للرواية وغوصي في أعماقها باستمتاع كبير. صحيح في الرواية تمجيد للرجل الأبيض، لكنها كانت تدين ذلك الطموح الإمبريالي التوسعي للغرب، كما أنها راحت تسخر من كثير من تلك القناعات الجاهزة لجهة النظر إلى الآخر (غير الغربي). لقد اكتشفت أن الانسياق خلف قناعة ناقدٍ ما أو مفكرٍ ما (وإن كان في قامة وقيمة إدوارد سعيد) خطأ جسيم لا يُغتفر، وآمنت أن على المرء أن يقرأ ويتمعن فيما يقرأ، وأن يخرج بوجهة نظره هو وألا يرتهن لنظرة الآخرين مهما كانت قاماتهم الفكرية سامقة. على أي حال، الرواية كنز شعري فاتن، وهذا هو الدليل: * مقاطع من رواية (قلب الظلام) * للروائي الإنجليزي/ جوزيف كونراد * ترجمة/ صلاح حزيّن 1 لكم تشبه السفينةُ كلَّ سفينةٍ أخرى، أما البحر فهو نفسه دائماً. 2 ليس هنالك ما هو غامضٌ بالنسبة لبحّارٍ، سوى البحر نفسه. [email protected]