كل شيخ ينتمي إلى المؤسسة الدينية الرسمية، سواء كان في هيئة كبار العلماء أو مستشاراً رسمياً أو يعمل في وزارة الشؤون الإسلامية، فإن كل رأي يصدره تتحمل تبعاته الدولة إذا كان يمسّ صورتها العامة أو علاقلاتها الدولية، مثلهم مثل أي مسؤول يعبّر عن السياسة العامة وما يتصل بها. كان ابن باز وابن عثيمين وقبلهما ابن إبراهيم ومجايلوهم شيوخاً في غاية الصدق واليقين، إلا أن أياً من أولئك السلفيين الأقوياء لم يطرح نفسه صوتاً سياسياً ضدياً أو يدخل في قضايا تنتهك مسيرة الدولة وتسيء إلى دورها أو تخرّب خططها، ليس من باب الجبن فلا أحد يشك في مقدار جرأتهم وصلابتهم، بل لأن ورعهم وتدينهم يجعل دوره نصرة ومساندة لولي الأمر ودعماً لاجتهاداته ما لم يجترح الكفر، ولعل الشيخ صالح الفوزان هو التجسيد الحي لهذه السلفية النقية والمعبّر عن صلاحها ونقائها. الفارق أن بعض المشائخ اليوم هم الأكثر إضراراً بالدولة، وإدخالاً لأنفسهم في ما يتجاوز معرفتهم وخبرتهم في الشأن الدولي، فتكون مشاركاتهم المرتجلة عبئاً على البنية السياسية وتحريفاً لمسيرتها وتشويهاً لدورها سواء كان ذلك بقصد أو نتيجة التسرع. كانت برامج الفتاوى مقتصرة على استفسارات تخص مشكلات المتصلين، أما اليوم فهي تستعرض الخريطة السياسية، وتتضمن إعلان مواقف لا يمكن تصنيفها سوى تدخل في الشأن السياسي، ولو جاء ذلك من شيخ فضائي يتنطع لكل شأن ولاعلاقة له بالبنية الرسمية لكان ذلك مقبولاً إلى حد ما وإن كان خاطئاً، خصوصاً أن معظم هؤلاء ينطلقون من ممارسات «فقه الواقع» حيث يصبح الشيخ سياسياً، أما الآخرون فهم يخالفون منهجهم الأصيل. هل أصبحت السلفية هي الصوت الأضعف والأكثر خفوتاً في السعودية؟