قد يعتقد أحد ما لا سمح الله أنني أهتم بشؤون المتقاعدين لذلك أنا أكتب عنهم، ولكي أنفي هذه الشبهة فإني سأقول وبحكم تجربة إن الموظف المنسي أثناء وظيفته طبعاً سيكون في طي النسيان بعد أن يحال إلى رحمة التقاعد في طريقه إلى رحمة الله! لكن ما يشغلني فعلاً هو حال المنشغلين في هذه الفئة من النّاس الذين ذهبت أصواتهم للمدى والرّيح بعد أن ألصقت بهم نظامياً صفة التقاعد وهم أحياء عند ربهم يرزقون. قام أولئك المنشغلون بتأسيس الجمعية الوطنيّة للمتقاعدين وتطايرت التصريحات والندوات في كل مكان حتى أن الكل فكّر أن (يتغدى بالتقاعد قبل أن يتعشى به) ولكن ضاعت الأحلام الورديّة. أول وأهم إشكالات جمعية المتقاعدين هو فشلها في التواصل مع المتقاعدين ففي تصريح لمديرها العام قال إن عدد المتقاعدين في المملكة بلغ 625 ألفاً بينما يشترك في الجمعية 17 ألفاً وهذا عدد قليل جداً، وأنا أتفق معه أن العدد قليل جداً لكني أريده واثقاً من إجابته حينما يسأله أحد هل ال17 ألفاً المشتركون يمتلكون الرّغبة في تجديد اشتراكاتهم عند انتهائها؟! أتوقع أنه لا يجزم بذلك، وليس لديه المقدرة على استشفاف هذا الأمر لسبب بسيط وهو أن الجمعية تنحاز إلى أرقام حساباتها قبل أن تنحاز للمتقاعد فهي قبل كل شيء تشهر بوجه المتقاعد رقم الحساب ليسدد الرسوم أولاً ثم تتحوّل الجمعية إلى فص ملح وذاب. والجمعية كونها تظن أن مشتركيها يستمتعون بهوايات ما بعد التقاعد في حدائق منازلهم التي أمنوها بفضل ما تقدمه لهم من برامج وخدمات في كل مكان فهي تعتقد أن من مهام المتقاعدين أن يسددوا الرّسوم ويذهبوا إلى مقرها الذي لم تنجح في كتابة عنوان واضح له سوى أنه قرب مطعم (...) كما يقول موقعها الإلكتروني! هناك 37 ألف موظف سيحالون إلى حديقة التقاعد هذا العام فقط، فهل قامت الجمعية بالتواصل مع هؤلاء وهم على رأس العمل، وهل استطاعت أن تكسب قناعة مشترك واحد منهم كي يقوم بسداد رسوم اشتراكه وهو راض ومقتنع تماماً بما سيقدم له وأن المبلغ الذي سيدفعه ليس صدقة يمنحها لمستحق! لماذا لا تقوم الجمعية بالتنسيق مع المؤسسة العامة للتقاعد لإيجاد آلية تضمن انضمام كل المتقاعدين تحت سقفها مقابل تقديم خدمات تليق بالمتقاعد كالتأمين الصحّي والتعليمي لأبنائهم وصناديق للإقراض الحسن الميسّر بدلاً من توقيع اتفاقيات مع البنوك أو القطاع الصحّي الخاص وكأن الجمعية تفشل في تقديم أي خدمة من المؤسسات الحكومية! الجمعية إما أن تقوم ببرامج مقنعة وفعّالة أو أن تتخلّى عن هذا الضجيج المسمّى اللقاء السنوي الذي يقام في مطلع رجب (شهر التقاعد والعجب) وتحاول من خلاله أن تقنع المتقاعد أن يدفع الرّسوم مع باقة من الوعود التي لا تستحق كل هذا الضجيج ، ليخرج المتقاعدون في كل رجب وهم يرددون المثل العربي القديم (عش رجبا ترى عجبا)!