حدثني من أثق في تفننه في نقل الشائعات وبراعته في التضخيم وتصوير الأمر على أنه من عجائب الدهر ومن علامات القيامة، بأنَّ هناك هجرة جماعيَّة وتسرباً مخيفاً مصحوباً باستقالات فردية للأطباء المتميزين بمستشفى ساق الغراب، ذلك الصرح الطبي الذي ظل علماً في رأسه نار لسنين، ومرجعاً عالمياً يشار إليه بالبنان. الإشكالية ليست في مغادرة تلك الفئة وحسب بل في الوضع المتهالك الذي وصله المستشفى في ظل وجود مجموعة من الأطباء من خارج ساق الغراب أصحاب مؤهلات لم ولن تتوافق مع متطلبات المستشفى في عصره الذهبي ولكن تم قبولهم على مبدأ “إيش اللي جبرك على المرّ قال تسرب الأطباء”. وقد سألت مصدري الذي يعدُّ ومجموعة معه من أسباب تردي أوضاع المستشفى عن وجهة نظره في أسباب تسرب الأطباء من ساق الغراب وإلى أين؟ فأجابني متفلسفاً بأنَّ الوجهة المبدئية إلى الخاص، وهناك نيَّة مبيتة إلى الدول المجاورة فما يحملونه من شهادات وخبرة نتيجة عملهم بساق الغراب لسنوات يجعل المنشآت الصحية الأخرى تدفع لهم بالدولار. أما الأسباب فهي عديدة ويأتي في مقدمتها المادة، فهؤلاء الأطباء لا يحسدون زملاءهم ولكنهم يرون أنَّ لهم تميزاً في التخصص ونوعية المرضى والأمراض التي يتابعونها، وكذلك ساعات الدوام الطويلة التى تشغلهم وتجعلهم مهملين لأسرهم في نظر زوجاتهم، ناهيك عن المعاناة والمضايقات من د. أبو الريش وحاشيته في الإدارة. وختاماً وكما قيل شر البلية ما يضحك فإن المضحك المبكي في ساق الغراب أنَّ التخفيضات والتجميد الصيفي والشتوي لرواتب الأطباء نالت الشباب “الغرابي” ونجا منها الأجانب بقدرة قادر وتخطيط مدبر، بل ويشاع أنَّ عقودهم في ارتفاع... فسبحان من يرزق بغير حساب.