يبدو أن الفرصة مواتية لإنشاء سوق للكربون المستخلص (ثاني أكسيد الكربون) في دول الخليج، إذ إنّ استخدام الانبعاثات الكربونية من شأنه إيجاد مصادر عائدات إضافية لتلك الدول. إن عمل سوق للكربون في الدول الخليجية ليس أمراً مستحدثاً، وفي عام 2007م ظهر عدد من المقالات التي تناقش الفرصة الكبيرة لمشروعات استخلاص الكربون في دول الخليج، وكان التركيز على ربط مشروعات دول المجلس مع آليات التمويل طبقاً لما ورد في إطار بروتوكول كيوتو، الذي أُدير بواسطة الأممالمتحدة، مثل آلية تطوير النظافة ووحدات تخفيض الانبعاثات المعتمدة. وكان أول مشروعات التعامل مع الكربون هو تخفيض الانبعاثات الغازية من حقل النفط شاهين عام 2007م، وهذا المشروع هو نتاج التعاون بين شركتي قطر وميرسك للنفط، وهو من أضخم المشروعات العالمية لآلية تطوير النظافة، إذ تم منحه جوائز في مؤتمر الأممالمتحدة المعنيّ بالتغيرات المناخية في 2011م بجنوب إفريقيا، وكان المشروع عبارة عن استخدام الغاز الذي كان يُحرق (وهو غاز طبيعي) وإجراء عمليات معالجة عليه ونقله خلال أنابيب لاستخدامه في توليد الكهرباء. وعلى الرغم من نجاح هذا المشروع، فإن اهتمام مجلس التعاون كان محدوداً بخصوص المشروعات الكبيرة الهادفة إلى استخلاص الكربون والاتجار فيه، ونوقشت هذه القضية خلال منتدى الكربون التابع للبنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في القاهرة عام 2009م. وكان من أسباب ضعف الاهتمام، تقلب أسعار الغازات الانبعاثية، صعوبة الحصول على شهادة مشروعات آلية تطوير النظافة، قلة الوعي بهذه الآليات، وضعف المقارنة بطرق تمويل مشروعات النفط والغاز. ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن أسعار الانبعاثات الكربونية في السوق الأوروبية انخفضت، ووصل معدل الانخفاض في أوروبا 11% منذ يناير 2012م، ووصل الآن إلى ربع قيمته التي كان عليها في يوليو 2008م. وبناءً على هذه الأسباب، لماذا يجب على دول الخليج الاهتمام بأسواق الكربون؟ وما الفروق الأساسية بين هذه الدول وأوروبا بخصوص استخلاص الكربون؟ وما الذي يمكن عمله لتطوير نظام التجارة في أوروبا؟ وعلى عكس مجلس التعاون، فإن أوروبا لديها فرصة ضئيلة لاستخدام الكربون المستخلص، ودول الخليج لديها فرص كبيرة لاستخدام ثاني أكسيد الكربون في تحسين استخراج النفط مقارنة بأوروبا التي تقوم فقط بتخزين الغاز تحت الأرض، وترتفع قيمة ثاني أكسيد الكربون باستخدامه في عمليات أخرى إذا قورن بعملية تخزينه. وتنتج دول الخليج وحدها حوالى 500 مليون طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهذه الكمية الضخمة تعزز القدرة على تنظيم سوق الكربون الخاص بها لتلبية احتياجات مشروعات النفط والغاز. وعلى سبيل المثال، فإن نظام الغطاء والتجارة في كاليفورنيا يعتمد على أن لديها أرضية وسقفاً لسعر الكربون للتحكم في التقلبات وتذبذب الأسعار، ويمكن لدول الخليج اعتبار كاليفورنيا وأستراليا والمكسيك نماذج، وهذه المناطق يمكن أن تستخدم ثاني أكسيد الكربون المستخلص في تحسين استخراج النفط والغاز، إذ مكثت للتخطيط لأسواقها مدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، لأنها صُمّمت لتأخذ في الحسبان احتياجات مطوّري المشروع والمستثمرين فيه، وقدرة مجلس التعاون على بناء سوق كربون قوي يرتبط باختبار كمية الانبعاثات السنوية التي تُنتج في الأسواق الثلاثة، وهي المكسيك 171 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، أستراليا 272 مليون طن، كاليفورنيا 54 مليون طن. ويتضح من ذلك أن إنتاج الأسواق الثلاثة أقل مما يمكن إنتاجه في دول المجلس (500 مليون طن)، وهو ما يعكس قوة السوق الخليجي في هذا المجال. والمشروع الإماراتي الذي تحدثنا عنه في المقال السابق، والمشروعات الأخرى المرتقبة لتحسين استخراج البترول والغاز في الدول الخليجية توجِد فرصة لبداية بناء سوق الكربون الخاص بها، الذي يجب أن يُبنى على الأنموذج الذي يدعّم تمويل هذه المشروعات، إذ إن مشروعات النفط والغاز في المناطق الأخرى مثل المكسيك، وأستراليا، بُنيت أسواقها لمواجهة احتياجاتها، ودول التعاون لديها حجم هائل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولديها فُرص محلية لاستخدام الغاز في تحسين استخراج النفط والغاز، وهذه العوامل سوف تساعدها على تطوير السوق الأوروبي والتخطيط للسوق المحلي لمواجهة الاحتياجات المحلية. تجارة الانبعاثات الكربونية