الديوان الملكي: وفاة عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لفرع وزارة الموارد البشرية    بعد قرارات ترمب.. ما أداء الأسواق المالية؟    «التجارة»: 20% نمو قطاع الفنون والترفيه والتسلية بالسعودية    "عدل العقارية" شريكٌ إستراتيجيٌّ لمنتدى مستقبل العقار 2025    66 قتيلا في حريق في فندق بمنتجع للتزلج في تركيا    ديلير يزور ميادين البولو    أمير حائل يطلع على برامج منارة حائل الفضائية    «الصحة»: 70% انخفاض نسبة وفيات الإنفلونزا الموسمية    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس اللجنة التنفيذية لمشروع قياس    محافظ الخرج يرأس اجتماع المجلس المحلي    بعد ترمب.. قطر تحذّر من انهيار وقف النار في غزة    انطلاق المرحلة الأولى من برنامج "سفراء المحمية"    الشباب في يناير.. عقدة للاتحاديين    «الساطي» يبحث عن «التاريخي» أمام العميد    التوسع في الاختصاصات تدريجياً بالمكاتب الفنية في «الاستئناف»    "المواصفات السعودية" تُطلق خدماتها عبر تطبيق "توكلنا"    «حماس»: إطلاق 4 إسرائيليات في الدفعة الثانية    سماء الوطن العربي تتزين بتربيع القمر الأخير لشهر رجب الليلة    الأفلام السعودية تضيء شاشات السينما الهندية لأول مرة عبر ليالي الفيلم السعودي    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. الشاعر علي فارس النعمي    آركابيتا وباركواي تستثمران في محفظة شركات ذكاء اصطناعي سريعة النمو    أطاح ب4 مسؤولين كبار.. ترمب يلوح بإقالة أكثر من 1000 موظف    تفاصيل انتقال كايو سيزار إلى الهلال    بدء تطبيق آليات بيع المواشي الحية بالأوزان اعتبارًا من 01 محرم 1447ه    رصد 67 مخالفة في منشآت التدريب الأهلية    البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن يُشارك في الاجتماع الوزاري الدولي في نيويورك    نائب أمير المدينة يكرم الطلبة المتميزين علمياً من المكفوفين    السفيرة الأميرة ريما بنت بندر تحضر حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب    إطلاق خدمة «التحقق المهني» للعمالة الوافدة في 160 دولة    استمرار انخفاض درجات الحرارة على عدة مناطق    لا تفريغ للمرشحين.. الدراسة مسائية ومجانية    أمير الحدود الشمالية: عام الحرف اليدوية يجسد اهتمام القيادة بترسيخ التراث وإبرازه عالمياً    أحد رفيدة: طريق «المطبّات» يثير الاستغراب    مفوض الإفتاء في جازان خلال مبادرة اللحمة الوطنية دين ومسؤولية: الخير فينا فطرة ونسعى للأفضل    «ثلاثي العاصمة» يتحدَّون الوحدة والخليج والتعاون    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة السحيباني في وفاة والدتهم    أكسجين ووقود صيني في المدار    سيناريوهات اختفاء الأكسجين لمدة 60 ثانية    آلية تدمير التدخين الإلكتروني للرئتين    وزير النقل يستعرض خطط الوزارة في جلسة الشورى    حتى لو    تحديات مبتعثي اللغة وحلول مقترحة لدعم رحلتهم الأكاديمية    ماراثون أقرأ    الفلسفة أفقا للنهوض الحضاري    متى تختفي ظاهرة اختلاف تفسير النظام من موظف إلى آخر    إنستغرام تعيد ميزة إعجابات الأصدقاء    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    آفة المقارنات    الحوار الصامت    الحكم المحلي وعدالة المنافسة    الهلال ونيمار.. أزمة حلها في الإعارة    الحديث مع النفس    بريطانيا تفرض غرامة مالية على العطس أثناء القيادة    تقنية طبية سعودية لعلاج أمراض فقرات الرقبة    أمير تبوك ونائبه يعزيان السحيباني    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته لمراكز " قيا شقصان كلاخ والسديرة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يزرع الشوك؟!
نشر في الشرق يوم 25 - 04 - 2012

أطلت برأسها الصغير من شرفة ضيقة في عمارة عتيقة من الطوب الأحمر تقع في منتصف حي قديم موحل الطرقات دوماً، تبحث بين المارة بعينيها التي تمثل الحزن نفسه ، عن ملامح والديها، أو أي وجه طيب يلتفت إليها وينتشلها من عذابها اليومي من ذلك المنزل الذي تملأ رائحته الطينية أنفها وذاكرتها الصغيرة، في كل يوم تعاود البحث والانتظار.
كانت تخشى من أن يصل صوت أفكارها لمسامع المرأة العجوز التي كانت تقيم معها، فتنهال عليها ضربا بعصا الغسيل المحروق طرفها، حيث اعتادت (هيا) رؤية المرأه وهي تُحرك بها الملابس البيضاء التي تغليها كل أسبوع في قدرٍ كبير.
في نهار أحد الأيام طلبت منها المرأه العجوز أن تذهب لشراء الخبز لأن أبناءها في طريق عودتهم من أعمالهم والجامعات، وقبل أن تضع المال في جيبها وبختها توبيخاً شديدا وهددتها بالضرب إن أضاعت ذلك المال، الذي لم يكن سوى خمسة قروش، وحين عادت وصل إلى أنفها عند المدخل نفس رائحة الطين ولكن هذه المرة كان ممزوجا برائحة عطر والدتها، فركضت إلى الداخل وقلبها يرقص فرحاً، أخيرا سترتمي في أحضان أمها التي ستأخذها للعيش معها، ولكن اكتفت الأم بوضع حقائب السفر لتغادر مع أبيها من جديد! لم تكن تلك المرة الأولى التي تأتي فيها والدة (هيا) من المملكة وتغادر للسهر دون أن تراها أو حتى تُسلم عليها، حيث اعتادت أن تستمتع في كل دقيقة مع زوجها الذي أزاحت عن حياته أبناءه لتتسكع معه من ملهى لآخر دون الإحساس بأي ذرة من تأنيب للضمير.
دخلت (هيا) ابنة الخمسة أعوام بشكل تلقائي إلى المطبخ وصعدت على كرسي صغير لتصل إلى المغسلة التي كان يتكدس عليها جبل من الصحون والقدور النحاس لتغسلها بعد أن انتهت الأسرة من تناول الغداء، وجلست تنتظر عودة والدتها بلهفة وحرمان، ولكن غالب النعاس عيني الصغيرة فتكومت في الركن الذي اعتادت أن تنام فيه على الأرض تحتضن دمية كانت أغلى شيء في حياتها، حصلت عليها من والدتها، بنفس الملابس المبلله من غسيل الصحون، وتوسدت كيسا من القماش كان يضم أحلامها وأشياء صغيرة تحبها، حيث قررت أن تأخذها معها في اليوم الذي تهرب فيه من ذلك البيت!
استيقظت في الفجر على صوت العجوز لتتوجه بشكل تلقائي إلى المخبز، ومنه إلى البقالة لتشتري شرائح من اللحم المقدد وبعضا من البيض البلدي وقطعة من الحلاوة الطحينية، وحين عادت لتلبس الزي المدرسي كانت المرأه العجوز قد أعدت الشطائر اللذيذة ووزعتها على من في المنزل من الذكور وحين جاء دورها وضعت في يدها قطعة من (الجبن القريش) المالح ملفوف بورقة من كراسة الحساب، دون الشعور بالخزي أو كيف ستأكل طفلة في الخامسة جبنا مالحا دون خبز!
أخذت قطعة الجبن دون أن تعترض خوفا من العصا ونظرت إلى الشطائر الأخرى وهي تتوزع على الآخرين بحسرة زرعت داخلها مزيدا من الأشواك التي كانت تنمو كل يوم.
لم تدرك (هيا) بأن تلك المرأه لم تكن سوى جدتها إلا بعد أن أكملت ست سنوات، ولكن لم تستطع أن تتفهم أبدا حجم تلك القسوة التي تعرضت لها!
تزوج والد هيا من والدتها أثناء إحدى رحلاته الشبابيه لدولة عربية، دون أن يعرف شيئاً عن نشأتها أو طبعها ولا أهدافها الشخصية التي أثمرت في أول خمس سنوات عن خمسة أطفال يكفون لحصولها على الجنسية، ومع ذلك لم تحتمل أن تشاهد زوجها يهيم حباً بأحد غيرها، فوزعت أبناءها الخمسة وتخلت عنهم في سن مبكرة جدا، لتعيش هيا التي كانت تتميز بجمال أخاذ مع أخوين آخرين في بلد والدتهم كالأيتام في منزل الجدة المُسنة التي نشأت في زمن توارثت فيه تفضيل الذكور وبُغض الإناث شبيه بزمن الجاهلية.
واحتفظت الأم بطفلين آخرين في المملكة، لأن الصفقه لن تحتمل الخمسة أطفال، وألقت على عاتق ابنتها (سلمى) ابنة الأربع سنوات مهمة رعاية أخيها الذي لم يتجاوز السنتين، فكانت تخرج طوال النهار وتترك الصغيرة ترعى أخاها إلى أن تعود بعد أن تتركهم ساعات طويلة بمفردهم في المنزل بوجبة واحدة تتكون من بيض مقلي داخل رغيف من الخبز، وحين تعود تقدم آخر مثله لتختفي ساعات أخرى بصحبة الأب، ينام ويستيقظ فيها الصغار وحيدين ليعتادوا الحياة بدونها!
وفي البلد الآخر كانت تعاني أختها هيا سوء معاملة أخوالها الذين عاشت معهم سنوات سُخرت للأعمال المنزلية و لنهب كل ما يُرسل إليها من أبيها الثري، فكانو يُقطّرون عليها في الملبس والمأكل تقطيرا ويفيضون على الذكور فيضاً، حتى دُميتها التي كانت كل ما تملك أهدتها الجدة في أحد الأيام لابنة قريبتها فلم يتحمل قلب هيا تلك القسوة وتركت تلك الحادثة في نفسها ندباً لم تنسه أبدا.
وفي إحدى الزيارات عرج الأب على شقة الجدة ليجد هيا الجميلة تلعب على سلم البيت في ملابس رثة مثل المتسولين حيث تعرف عليها بصعوبة، تألم لما رأه وقرر إعادة أبنائه إلى المملكة ليعيشوا معه.
أثار ذلك القرار حفيظة الأم التي اشتعلت أنانيتها وغيرتها المدمرة بزراعة الكراهية بينهم لسنواتٍ عديدة، وعلى الرغم من إنجابها لثمانية أبناء لكي تضمن مستقبلها كما تتصور بعض النساء، إلا أنه خرج من المنزل بهدوء ولم يعد بعدها ليلحقه أبناؤه الواحد تلو الآخر، وعاشت هي في ثرائها بين أموالها ومجوهراتها فقيرة وحيدة تحصد ما زرعت!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.