تكاد أن تكون معلوماتنا عن الصين ضئيلة، نظرا للبعد الجغرافي، ولعدم وجود التداخلات السياسية التاريخية بيننا كعرب، وبينهم. ولكن الصورة الجيوسياسية، والسوسيواقتصادية، العالمية تختلف باختلاف الزمان، وتملي علينا أن نتنبه لهذا العملاق النائم، وأن نتعرف على معطياته، التي قد تفيدنا في يوم من الأيام، بل إنها قد تكون أكثر فائدة وأهمية لنا من معطيات دول أخرى. فالصين، أو (جمهورية الصين الشعبية)، هي الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، بما ينيف عن 1.338 مليار نسمة، وتقع في شرق آسيا ويحكمها (الحزب الشيوعي الصيني)، في ظل نظام الحزب الواحد. وتتألف الصين من أكثر من 22 مقاطعة، وخمس مناطق ذاتية الحكم، وأربع بلديات تدار بمركزية مباشرة (بكين، وتيانجين، وشانغهاي، وتشونغتشينغ)، واثنتين من المناطق عالية الحكم الذاتي، هما (هونغ كونغ، وماكاو)، وعاصمة البلاد هي مدينة (بكين). وتمتد بلاد التنين الأصفر على مساحة 9.6 مليون كيلومتر مربع، حيث تعد جمهورية الصين الشعبية ثالث أو رابع أكبر دولة عالمية مساحة، وطبيعتها تتنوع بين غابات وسهول وصحارٍ، في الشمال، وغابات شبه استوائية في الجنوب الرطب، وفي الغرب تقع قمم جبال (الهيمالايا)، وجبال (تيان شان)، وتشكل الحدود الطبيعية للصين مع الهند وآسيا الوسطى، ويحدها من الشرق سهل ساحلي يبلغ طوله 14.500 كيلومتر. ولو عدنا لمعطيات الحضارة الصينية القديمة لوجدناها من أقدم حضارات البشرية، حيث ازدهرت في حوض (النهر الأصفر)، الخصب، الذي يتدفق عبر سهل شمال الصين، خلال أكثر من ستة قرون. وكان النظام السياسي أثناءها ملكيا وراثيا، أو (السلالات)، حتى انتهى الحكم الملكي، وتم تأسيس جمهورية الصين عام 1911م، الذي أعقبه في النصف الأول من القرن العشرين دخول البلاد في فترة مخاض عصيبة من التفكك والحروب الأهلية، التي قسمت البلاد إلى معسكرين سياسيين رئيسيين هما (الكومينتانغ، والشيوعيون)، وقد انتهت أعمال العنف الكبرى في عام 1949م، عندما حسم الشيوعيون الحرب الأهلية وأسسوا (جمهورية الصين الشعبية)، فاضطر حزب (الكومينتانغ)، لنقل عاصمة جمهوريته إلى (تايبيه)، في (تايوان). ومنذ ذلك الحين، دخلت (جمهورية الصين الشعبية)، في نزاعات مع (جمهورية الصين)، حول قضايا السيادة على (تايوان). وفي عام 1978م، تم إدخال إصلاحات اقتصادية وسياسية أدت لجعل الصين أسرع نمو اقتصادي في العالم. ومن الجانب السياسي والعسكري، فالصين عضو دائم في مجلس الأمن، وهي عضو في منظمة (التجارة العالمية)، و(الابيك)، و(بريك)، و(منظمة شانغهاي للتعاون)، و(مجموعة العشرين). وهي تمتلك ترسانة نووية معترف بها، وجيشها هو الأكبر تعدادا وتسليحا على مستوى العالم، ويمتلك ثاني أكبر ميزانية دفاع. إذا فنحن أمام تنين عملاق يوشك على أن ينتهي من مشكلاته الداخلية، ويتجه بكل معطياته وقدراته للخارج. ونحن أمام أكبر عملاق اقتصادي قادر على ابتلاع الأسواق العالمية، من نواحي الإنتاج، والتصدير، خصوصا وأن شعبه يمتلك من القدرات الفكرية، والإلكترونية ما لا يتأتى لغيره. فأنت كي تنتج منتجا بعقلية يابانية، قد تحصل على خلاصة المطلوب في التقنية، والجودة، ولكنه من النواحي المادية يفوق كثيرا ما يمكن أن ينتج في الصين بمميزات قد تكون أقل جودة، ولكن العالم الاستهلاكي لا يعرف التمييز، طالما أن المنتج قريب إلى المستوى المعقول. وإضافة لذلك فكثير من المنتجات الصينية، تم دعمها حكوميا، وأصبحت لها جودة تنافس المنتجات العالمية الباهظة الثمن، حتى أن موازين الجودة بدأت في التبدل، خصوصا وأن أكثر الشركات العالمية اتجهت بقوة للصانع وللمنتج الصيني، وللمواد الخام المتوفرة لديهم بغزارة. وسياسيا وعلى مستوى الدول المهيمنة على العالم، وبعد أن أزيحت روسيا من الواجهة، فلم يتبق بين الدول العظمى، من يستطيع أن يقوم بدور الند والضد، للدولة المهيمنة (أمريكا)، إلا العملاق الأصفر، وقد ظهر ذلك في عدة مناسبات، كان آخرها استعمال حق (الفيتو)، في قضية سورية، وبشار. وقد لا نتمكن من هضم دور الصين في هذا المعترك، ولو أننا سبق وتمكنا من تفهم نفس الدور عندما كانت تقوم به أمريكا مرات عديدة لصالح الكيان الإسرائيلي، ولكن عندما نحلل ما حدث، سنجد أن العملاق الصيني يريد أن يوجه من خلال ذلك رسائل جلية قوية للدول العظمى، التي تحاول تهميشه. والصراعات على زعامة العالم تستمر، والصين لا يريد أن يحدث له ما حدث لروسيا، وقد يتمكن من الوقوف بقوة، وجمع الحلفاء من حوله، وعندها سنندم كثيرا كعرب، على أننا لم نستقرى الوضع كما يجب، ولم نفكر بظهر التنين، عندما كنا تحت جناح النسر.