الحمى الإلكترونية تتحول مع الأيام إلى أمر يبعث على القلق والتوتر. أغلب التطبيقات والبرامج تجعلنا متاحين دائما. تاريخنا اليومي مسجل على الهواتف الذكية. وكل سؤال له إجابة. الخرائط، البحث، والمواعيد أيضا. لكن برغم خدماتها المترفة، فإنها قد تدمر خيال العقل، لأنها تقدم الأجوبة على طبق من ذهب، دون إعمال التفكير. هنا نتحول إلى آليين. وعدم القدرة على الاتصال بالإنترنت يفقدنا الصبر، فنشعر أن أمورا شتى تفوتنا، ولا بد أن نبقى مطلعين على ما يجري من مستجدات. الهواتف الذكية مكتب متنقل، تضع العالم بين أصابعنا، وتسهل علينا العمل من بعد، تحت أي ظرف. لكن الأمر المشكل هو أن كثيرا من الموظفين قد يصعب عليهم التفريق بين دوام العمل وبين المهام التي ينجزونها خارجه، أو بينه وبين الظهور على مواقع الإعلام الاجتماعي، الثرثرة وإرسال سيل من التغريدات في أوقات الدوام الرسمي. وقد تتداخل الأوقات والمهام، فنرد على رسائل العمل الكثيرة في أوقات الراحة وعطل نهاية الأسبوع. يقول تقرير عن الهواتف الذكية، وتأثيرها في حياة الموظفين ورجال الأعمال، في مجلة إيكونوميست البريطانية «قبل مدة ليست ببعيدة، كنا نعتقد أن الأطباء هم فقط من يمكننا الاتصال بهم في أي وقت كان، لكن اليوم لا يشعر أرباب العمل بالحرج وهم يقلقون راحة موظفيهم في أوقات راحتهم». ويعتقد محللون أن هذا الأمر يؤثر سلباً على سلامة الذهن، وبلا شك على العمل فيما بعد. يسجل المتوسط العالمي للاتصال بالإنترنت شهريا 23.8 ساعة. كثير من الشباب يعيشون مع الشاشات، قد تصل إلى أكثر من ثماني ساعات يوميا. فماذا سنفعل إذا أصبحت الهواتف الذكية أذكى مما هي عليه الآن ومع موظفين شباب من العصر الرقمي؟ حمى التواصل وصلت إلى حد المغامرة بالأرواح. كشفت دراسة أمريكية حديثة، عن أن نحو 40 % من السائقين يستخدمون هواتفهم الذكية أثناء القيادة. ووفقا للدراسة، التي أجراها موقع «كونفيوزد دوت كوم»، فإن نحو 27 % من المشاركين فيها تصفحوا ال»فيسبوك» من أجهزة الجوال أثناء قيادة سياراتهم. ومثال خليجي على هذا، هو تصريح القائد العام لشرطة دبي، مؤخرا، حول انخفاض حوادث السير على طرق الإمارة بنسبة 20 %، بسبب عطل ناجم عن بطء خدمات البريد الإلكتروني، والمراسلة الفورية في هواتف «بلاك بيري»، وذلك في يومين فقط. وبطبيعة الحال، التواصل قد يعني أيضا استخدام الإعلام الاجتماعي كوسيلة ثورية للتغيير، ولكنها قد تستخدم أيضا في أهداف أخرى، كالتجنيد والإرهاب. نسبة البطالة في العالم العربي تجاوزت 25 %، وهناك ما يقرب من خُمس الشباب من دون الخامسة والعشرين في الدول الغربية من العاطلين عن العمل، وآخرين بوظائف وضيعة. ويثبت التاريخ أن الثورات والتمرد عادة ما يقوم بهما الشباب. إلا أن سارة نوين، محاضرة قانون في جامعة كمبردج تعتقد «أن إرسال تغريدة على تويتر تتعلق بالسياسة يعد في حد ذاته غاية بالنسبة للعديد من الناس، لرفع معنوياتهم، وهو ما يعرف بالكسل الذي يتنكر في ثوب نشاط سياسي». الحياة الافتراضية في الإعلام الاجتماعي تجمل الواقع، فالأفراد بطبيعة الحال يعيشون غالبا هوية مستعارة ومثالية في التعامل وفي العلاقة مع الآخرين، وقد يؤدي ذلك إلى حالات من الاكتئاب والهروب من الحياة الواقعية. لكن المثير في الأمر، أن إدمان الشاشات أدى إلى انخفاض معدل جرائم الشارع كالعنف والسطو والشجار في الحانات في الدول الغربية، فهي أنشطة لا تمارس إلا في أوقات الفراغ فقط، ويبدو أن هناك شحا في وقت الفراغ. هذا الانخفاض أذهل الاختصاصيين الاجتماعيين. ويقول بعض خبراء الاقتصاد إنه على الرغم من أن ألعاب الفيديو العنيفة قد تزيد من العنف لدى مدمنيها، فإن النتيجة تكمن في الحد من العنف بصورة عكسية، لأنها تعزل هؤلاء في منازلهم. إذن قد تختلف أسباب إدمان الشاشات وقد تتفق، إلا أن الحل كما يعتقد الخبراء هو اتباع «حمية رقمية» لتحاشي الوقوع في فخ الإدمان، وتجنب وفرة المعلومات الرديئة، وتحسين عادات تصفحنا عموما. وقد أظهرت دراسات عدة أن التوجه المتوقع لاحقا هو أن الناس سيعيدون النظر في حمى هذا التواصل، فهل سيستمرون بالجري مع هذا الإعصار ويكونون متاحين دائما، أم سيطفئون أجهزتهم ويهربون حين يستدعي الأمر؟. سنرى.