حين أعود بذاكرتي للمقارنة بين احترام المعلم اليوم واحترام المعلم في الأمس القريب، وأفكر أنه يجب علينا دراسة أسباب هذا التدهور في منسوب الأخلاقيات العامة التي كانت تستوجب احترام معلمينا والانتشار الفظيع لمفاهيم سلبية كثيرة على مستوى الطلاب، لا أجد الآن سبباً لكل ذلك إلا الغياب الكبير لهيبة المعلم التي كانت تفرضها علينا شخصيات معلمينا وأساتذتنا. أخطأ الناس بحق أبنائهم حين قاموا بتهوين أمر المعلم والانتقاص من قيمته الكريمة العظيمة عندما واصل الكثير من الآباء الذهاب لشكاية معلم نهر ابنه أو رفع صوته على طالب بهدف نبيل وبإحساس أبوي فخسروا الكثير من التحصيل العلمي والأدبي والأخلاقي، والأهم من ذلك فقد خسروا قدوة كبيرة كانت تقدم لأبنائهم الأنموذج الأخلاقي والقدوة الحسنة. لا أريد أن يفهم البعض أنني أقصد أن هيبة المعلم هي العصا والضرب، بل على العكس تماما، ما أفكر فيه أن برنامجاً تثقيفياً ينبّه المعلمين إلى تأصيل هيبتهم دون الحاجة إلى العقاب البدني، واقناع الطلاب بأهمية احترام المعلّم، سيفرض احتراماً وتقديراً كبيرين بين أطراف المعادلة التعليمية، وسوف ينعكس ذلك على كل المجتمع بكل أطيافه. يجب أن يعي المعلمون أنهم حينما يبحثون عن وسائل الترهيب قبل الترغيب فهذا يولد عداء بينهم وبين الطلاب، وأن شخصيته هي القدوة الأولى والدائمة لكل الطلاب، ويجب أن يفهم الطلاب أن هذا الأستاذ هو المرجع الأخلاقي والعلمي وبمثابة والد لهم وأخ كبير، وعلينا جميعاً أن نطلع على تجارب الدول الأخرى في آلية ووسائل صون كرامة المعلّم من خلال سلوكه هو لا من خلال سلوك عصاه، التي تجعل الموضوع يبدو كرامة المعلم أو كرامة الطالب، ونحن نريد كرامة للجميع. وأعتقد أن مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم يجب أن يولي استعادة هيبة المعلم اهتماما وخططا كبيرة لأنها النواة الأصيلة لتعليم حقيقي.