يوصف المتسلقون التقليديون بأنهم كائنات فطرية تتكاثر بشكل عشوائي في كل مكان تقريباً، عادة ما يبدأون نشاطهم من أول السلم لكن ذلك لا يعني عدم وجود من ينطلق من منتصفه أو حتى نهايته طمعاً في الوصول السريع، هم كائنات تجيد تكوين علاقات براغماتية سريعة مع من يرون فيه عوناً على ممارسة التسلق حتى وإن استدعى الأمر التذلل والخنوع، وسرعان ما يتخلصون ممن لا يرتضي أن يكون لهم مجرد عتبة للصعود، يتفنون في اختلاق قدرات خارقة وإيهام الكل بأنه لا يمتلكها غيرهم، كما يبالغون بشدة في تحوير مسؤولياتهم ووظائفهم الأساسية إلى إنجازات غير مسبوقة، يعرف المتسلقون بولعهم الشديد بالأضواء و”الفلاشات” وتطويعها لتسهيل مآربهم، لا يحضرون لمكان دون التأكد مسبقاً من وجود “عميل” بارع في التقاط أكثر الصور “واقعية” و”براءة” لنشرها في اليوم التالي. ولأن الكائنات الفطرية تمتاز بمقاومتها المستمرة للمبيدات مما يستلزم تغيير نوعية وقوة المبيد من وقت لآخر، فقد غير المتسلقون الجدد من بعض سياساتهم تماشياً مع ظروف المرحلة، لم تعد غاية المتسلقين الجدد مقتصرة على اعتلاء منصب أو الوصول إلى مكانة اجتماعية فقط، بل تعدت ذلك إلى تحجيم ومحاربة من قد يقف في طريقهم نحو الصعود ضماناً لعدم وصوله إلى نفس المكان مستقبلاً، وربما يستدعي ذلك تشويه سمعة العنصر المهدِد وإلصاق التهم التي تطعن في نزاهته فيه، وتحويل إنجازاته إلى إخفاقات ومن ثم الاستماتة في تضخيمها أمام العامة وصاحب القرار، ولعل أبرز ما يميز هواة التسلق هذه الأيام هو العمل بشكل جماعي منظم يهدف في الأخير إلى سطوع نجم التيار أو التكتل ككل تمهيداً لتنصيبه. وكما أن متسلقي اليوم أكثر تنظيماً، فإنهم كذلك أكثر عدوانية وإقصائية وإمعاناً في أذى من قد يعوق صعودهم وتقدمهم، وغالباً ما يتجاوز الهجوم والتشويه والإقصاء ذوات الخصوم إلى أقاربهم ومعارفهم فضلاً عن المحسوبين على نفس توجه الخصم أو تياره، متسلقوا اليوم لا يؤمنون تماماً بالتنافس الشريف وتكافؤ الفرص، حيث يرون بقاء المنافس على نفس السلم – حتى وإن كان في درجة أدنى – خطراً باقياً لابد من محاربته، ولعل أكثر ما سهل من مهمة هؤلاء المتسلقين هو شيوع استخدام الشبكات الاجتماعية وقوة تأثيرها على توجيه الرأي العام، ولقد أصبح من الواضح استثمار الآراء والتوجهات المعارضة لخدمة أهدافهم عبر الظهور بمظهر المغلوب أو المهمش من أجل استعطاف العامة، وإذا لم تفلح كل هذه الوسائل فلا مانع من استغلال الدين أو الاستقواء بالحاكم كحل جذري وسريع، والشواهد على هذا كثيرة لا داعي لذكرها. يمثل المتسلقون الجدد أبرز أسباب التخلف والترهل والاهتراء التي تعاني منها المجتمعات، فضلاً عن مسؤوليتهم عن تغييب أصحاب الجدارة والاستحقاق عن ممارسة وظائفهم بأريحية وهدوء، وما هو أكثر سوءاً هو وجود قوى كامنة في أعلى السلم تتلذذ بإشعال جذوة الصراع بين أطياف المتسلقين أنفسهم، وربما كانت هذه القوى مسؤولة بشكل مباشر عن ترجيح كفة طائفة أو تيار دون أخرى تبعاً للمصلحة، وللأسف فلم تسلم الثورات العربية من هواة التسلق الذين اختطفوها من الشارع وأحسنوا استخدامها لخدمة أهدافهم، وهناك تساؤلات قد لا نجد لها إجابة حتى بعد الوصول لآخر السلم: يا ترى من ستسعفه لياقته للوصول دون غيره؟ وكيف سيصل؟ ومن سيساعده على الوصول؟ والأهم: من سيتكفل بإمساك السلم والتخلص من صغار المتسلقين حتى يصل المتسلق الأكبر؟