في بداية القرن العشرين كان هناك اعتقاد راسخ لدى الكثيرين من علماء الفيزياء بأن كل ما يمكن اكتشافه من قوانين تحكم الكون قد تم اكتشافها من قبل علماء السلف. فإسحاق نيوتن على سبيل المثال، قد بين القوانين التي تحكم حركة الأجسام في النصف الثاني من القرن السابع العشر، كما أن ماكسويل بعده بنحو قرن من الزمان قد تمكن من وضع المعادلات الرياضية التي تفسر حركة الموجات الكهرومغناطيسية. لم يعد هناك المزيد مما يمكن اكتشافه، حتى إن أحد أبرز العلماء، اللورد كالفن، صرح بأن الفيزياء قد وصلت إلى منتهاها. الكثيرون صدقوا مثل هذه الادعاءات، ولكن بالنسبة لموظف مكتب براءة الاختراعات بمدينة ميونخ، لم يكن مثل هذا الحديث سوى هراء. رفض أن يقع أسيراً لآراء علماء السلف ومعتقداتهم دون أن يمحصها ويراجعها ويضعها محل تدقيق ونقد. بمعنى أدق رفض ألبرت أينشتاين أن يحجز أفكاره ضمن حدود يرسمها له الآخرون، وكانت النتيجة أنه في العام 1905 نشر في مجلة علمية للفيزياء أربعة أبحاث غيرت مجرى تاريخ العلوم إلى الأبد. استطاع أن يثبت أن العلم لم يتوقف عند السلف كما هو المعتقد، بل إن بعض المعتقدات الشائعة لأحد كبار العلماء الذين عرفتهم البشرية، إسحاق نيوتن، لم تكن بتلك الدقة، وكان بها بعض الأخطاء. دهش الكثيرون مما جاء في تلك الأوراق العلمية، ومما زاد من دهشتهم أكثر، أنها لم تأت من أستاذ جامعي، أو باحث في معهد علمي، بل أتت من موظف شاب في منتصف العقد الثالث، لم يستطع إكمال الدراسات العليا، لأنه لم يجد جامعة في أوروبا تقبله لديها كمعيد. وهكذا، بين عشية وضحاها اكتشف الكثيرون أن عالمهم الذي ألفوه، وظنوا أنهم كانوا يعرفونه حق المعرفة، لم يكن بتلك الصورة التي حسبوها، وأن ما حدده السلف من حقائق، كانت تشوبها بعض الشوائب. بمعنى أصح اكتشف هؤلاء أن ليس كل ما قيل هو بالضرورة دقيق، وأنّ الحقيقة قد تكون مختلفة بعض الشيء عن المعتقد السائد في ذلك الزمان. العجيب في هذه القصة، أنّ معتقدات أينشتاين الثورية أصبحت فيما بعد هي الآراء السائدة، وأصبح صاحبها هو أحد رجالات السلف المبجلين الذين لا يمكن لأحد أن يناقض لهم رأيا. وكما هو حال سنة التدافع، أتى بعد ذلك بأعوام من قدّم آراء ثورية جديدة يناقض بها بعض آراء أينشتاين التي أصبحت سائدة، في معركة جديدة من أجل كسر حواجز السلف، حتى يتمكن الفكر البشري من الارتقاء.