سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تزور الملحقية العسكرية السعودية في واشنطن    خرق مسيّرة أجواء رومانيا هو "استفزاز" أوكراني    مؤتمر حائل لأمراض القلب : منصة علمية لتعزيز التقدم الطبي في أمراض القلب .    "غراء عظمي".. ابتكار صيني لعلاج الكسور في 3 دقائق    من جاكرتا.. أضواء الخير وتكامل الصحية يختتمان رحلة عطاء ملهمة    أمانة القصيم تنجز مشروع مضمار بطول 800 متر في الظاهرية    الكشافة السعودية تختتم مشاركتها في الجامبوري العالمي للكشاف المسلم 2025 بإندونيسيا    النفط يحافظ على مكاسبه    كوريا الشمالية ترفض مطالبة الولايات المتحدة بنزع أسلحتها النووية    الأهلي يبدأ رحلة الحفاظ على اللقب الآسيوي بملاقاة ناساف    هالاند يقود سيتي لسحق اليونايتد    الملاكم الأميركي تيرينس كروفورد بطلًا للعالم    أمير الشمالية يستقبل قائد لواء الملك عبدالله الآلي بالحرس الوطني    جامعة الملك فهد تختتم "معرض التوظيف 2025"    الزميل سعود العتيبي في ذمة الله    جامعة الإمام عبدالرحمن توقّع مذكرتي تفاهم أكاديمية وعمرانية    "القصيم الصحي" يحتفي بتخريج متعافين من الإدمان    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الثقافة يُتوّج الفائزين بالجوائز الثقافية الوطنية    الطائف تمثل المملكة في «شبكة المدن المبدعة» ب«ليوبليانا»    انعقاد مؤتمر «المكتبات المتخصصة» في جدة    المفتي يستقبل مدير عام الدفاع المدني    إحصائيات "المخدرات" على طاولة سعود بن مشعل    جلوي بن عبدالعزيز: المهرجانات الصيفية تصنع روح المنافسة    مسيرات الدعم السريع تستهدف مواقع حيوية    منصة «أعمالي» تحصد جائزة التميز التقني    2.7 مليار تداولات السوق    افتتح مؤتمر التدريب القضائي.. نائب وزير العدل: المملكة تعيش نهضة تشريعية رائدة    هروب عريس قبل ساعات من زواجه    تعطل «حضوري» يؤثر على التوثيق الإلكتروني    «الموارد» تطلق جائزة العمل ب 38 مساراً    مشعل الأحمد: علاقات تاريخية متينة تجمع البلدين الشقيقين.. أمير الكويت وولي عهده يستعرضان مع وزير الداخلية مجالات التعاون    تغلب على ضمك بثنائية.. نيوم يحقق فوزاً تاريخياً في دوري المحترفين    «حين يكتب الحب».. فيلم في الطريق    النصر يتخطى الخلود ويتصدر «روشن»    المفتي يستعرض جهود وأعمال الدفاع المدني    مفتي عام المملكة يستقبل مدير عام الدفاع المدني    تحضيري «الدوحة» يناقش مشروع قرار موحد.. تضامن عربي وإسلامي لمواجهة العدوان الإسرائيلي    إسرائيل تصعد عملياتها في القطاع.. قصف مكثف ونزوح جماعي من غزة    جهود متواصلة لتعزيز الرعاية العاجلة.. تدريب 434 ألفاً على الإسعافات الأولية    «الغذاء»: 24 ألف بلاغ عن أعراض«الأدوية»    بدء تقديم لقاح الإنفلونزا الموسمية    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل    إطلاق برنامج شتاء السعودية 2025    نمو السيولة في الاقتصاد السعودي بأكثر من (239) مليار ريال خلال عام بنهاية يوليو (2025م)    من جازان إلى العالم: إنجاز إسعافي يدخل غينيس    الجيش اللبناني يتسلّم دفعة من أسلحة المخيمات الفلسطينية    غيابات في الاتحاد أمام الوحدة الإماراتي في نخبة آسيا    تصاعد الهجمات يفاقم التوتر بين روسيا وأوكرانيا    بعد ضرب قطر: ترمب مخدوع أو متواطئ    من المسارح البريئة يدق ناقوس الخطر    كلمات ولي العهد تسطر بمداد من مسك    شغف الموروث    إعادة النظر في أزمة منتصف العمر    مثقفون وإعلاميون يحتفون بالسريحي وبروايته الجداوية    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الزامل    في رثاء عبدالعزيز أبو ملحه    الإرث بين الحق والتحدي    خطاب يستحضر التاريخ: السعودية ونهضة عالمية برؤية 2030    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الاجتماعية
نشر في الشرق يوم 30 - 03 - 2012

في الغالب، الأخلاق الدينية سمة الفرد، وحين تشيع هذه الأخلاق حتى تصير «قانوناً» متفقاً عليه ضمنياً، أو «قانوناً» متفقا عليه بشكل ممارسة اجتماعية معلنة، أي قوانين محدّدة ومكتوبة ومحترمة أيضاً، تتحول النظم الأخلاقية إلى «عدالة اجتماعية».
إن أهم سنن التغيير التي أشار الله إليها في قوله تعالى: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» هي أن يكون التغيير جماعيا، أي بادئا من الأغلبية. فالمجتمع الذي يتصف أفراده بالتدين في غالبهم، سيصير إلى إشاعة العدالة الاجتماعية، وبالتالي يمتلك أدوات التغيير ثم السيادة على الأرض.
بينما المجتمع الذي لا يغلب على أفراده التدين «الأخلاق الدينية» وإن ظلّ يدعو لهذه الأخلاق ويدّعيها، إلا أنه ليس هو الكفء لسيادة الأرض، إلا في حالة سيادة القانون وتمتع أفراده، حتى ولو غاب الدين، بالعدالة الاجتماعية.
إن النمط الأنموذجي الغائب هو الأحق بخلافة الله في الأرض، وإشاعة العدل فيها. وهو النمط الذي تحقق على أيدي المسلمين في القرون الأربعة التالية للرسالة المحمّدية، على ما بين هذه القرون من تمايز في ذلك، حيث يتسم أفراد هذا النمط في غالبيتهم بالأخلاق الدينية التي تحولت، لكونها سلوكا يتمتع به الغالبية، إلى «عدالة اجتماعية» حفظت حق الفرد في الحياة الكريمة، كما تبنّت القيم الإنسانية العليا كالحق والحرية والعدل والمساواة واحترام حق الآخر في الحياة، فتسيدت الأرض، ونظّمت العلاقات بين جماعات المجتمع الإنساني. ولكنها حين فقدت أحد أهم شروط بقائها وهو «الحضارة» التي تعلي من شأن القيم الإنسانية العليا، تراجعت لتحتل أمم أحق منها سيادة الأرض.
إن خلافة أي أمة وقيامها على إشاعة العدل والسلام على الأرض لا تخضع لتدين أفرادها فقط، بل لا بد أن تشيع بينهم «العدالة الاجتماعية» وبهذه العدالة يشعر الأفراد بالانتماء، ثم إقامة «حضارة» يمكن معرفتها من خلال اشتمالها على مقوم الإنتاج «المقياس العام في عملية الحضارة هو أن الحضارة هي التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة، حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها» كما قال مالك بن نبي.
لقد حفظ الإسلام للأفراد داخل مجتمعهم الإسلامي حقوقهم، فتحققت العدالة الاجتماعية، ومن ذلك، على سبيل المثال: حريّة الاعتقاد «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، الإنصاف: «أنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع»، المساواة: «وكونوا عباد الله إخوانا»، حفظ المال والدّم والعِرض: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه»، وغير ذلك الكثير.
بهذا أصبح الإسلام يكفل حق الحياة لكل ما (ومن) خلقه الله على هذه الأرض، ومن ذلك: حق الحياة للإنسان أيّا كان معتقده «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة»، والحيوان «في كل ذات كبد رطبة أجر»، والنبات: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها، فليغرسها».
فهو دين الرحمة التي لا تختص بالمسلمين فقط، فهي رحمة عامّة لجميع البشر ولجميع المخلوقات: «الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
عندما فقدنا مبدأ «العدالة الاجتماعية» يبدو أننا أضعنا الطريق، فلسنا، كأغلبية، ملتزمين بالسلوك الأخلاقي الديني الذي يتحول، بحكم غلبته على أفراد المجتمع، إلى «عدالة اجتماعية، كما أننا لا نعيش وفق «القانون» الواضح المحدّد، القانون الذي يحدد ما على كل فرد من واجبات، وما له من حقوق، يقول الياباني «نوبوأكي نوتوهارا» في كتابه «العرب وجهة نظر يابانية»: «أول ما اكتشفت من البداية في المجتمع العربي هو غياب العدالة الاجتماعية، وهذا يعني غياب المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه الناس، مما يؤدي إلى الفوضى».
ففي غياب العدالة الاجتماعية وسيادة القوانين على الجميع بالتساوي يستطيع الناس أن يفعلوا كل شيء.
ولذلك يكرر المواطنون دائما: كل شيء ممكن هنا.
وأضيف كل شيء ممكن لأن القانون لا يحمي الناس من الظلم.
تحت ظروف غياب العدالة الاجتماعية تتعرض حقوق الإنسان للخطر. ولذلك يصبح الفرد هشا ومؤقتا وساكنا بلا فعالية لأنه يعامل دائما بلا تقدير لقيمته كإنسان».
إن عمارة الأرض عبادة حين تكون فعلا عامّا في مجتمعٍ ما، فالفرد الذي يؤمن بأن عبادة الله تعالى تقتضي العمل على عمارة الأرض إنما تصبّ قناعته في إطار العبادة الفردية، ولكنها حين تكون داخل منظومة اجتماعية يغلب على أفرادها هذا التوجه تصير العمارة جزءا من العبادة، وهي عبادة جماعة يؤمنون بأن دورهم في الأرض يتمثل في عمارتها من منطلق أن هذه العمارة فعل، وهي، أي العمارة، مظهر تعبدي من مظاهر عبادة الله وحده، يتحقق من خلالها العدالة الاجتماعية، وتسعى لحفظ الحياة على الأرض بوصفها مقدسة في ذاتها لا بعلائقها الإثنية أو العقائدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.