عُرض فيلم «ألبرت نوبس» في أكتوبر الماضي ضمن مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي للعام 2011، وليس مؤكدا عرضه في إطار مسابقة الفيلم الروائي الطويل، لكنه مرّ مرور العابرين كأي فيلم جميل، وصادم سواه من الأفلام التي عرضت ولم تحظ بالاهتمام المطلوب. مع بدء الترشيح لجوائز الأوسكار لهذا العام، ربما لم ينتبه الكثير من متابعي المهرجان أن الفيلم قد عُرض بالفعل ولم يذكّر به حقيقة سوى تلك المقاطع التي تبرز فيها الممثلة غلين كلوز فيما تنافس ميريل ستريب على جائزة أفضل ممثلة لدور أول. إنما وقبل أي شيء، مَن ألبرت نوبس؟ وما هو هذا الفيلم الأميركي/ الإيرلندي الذي يحمل توقيع رودريجو غارسيا، نجل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وتمثيل الممثلة المسرحية السينمائية والمغنية غلين كلوز والممثلة البريطانية جانيت ماكتير وسواهما من الممثلين والممثلات؟ باختصار، هو فيلم صعب عن حياة شديدة القسوة وشخصيات مركّبة تعيش أوضاعا صعبة كأنما هي ذات طابع قدري من غير الممكن لها تجاوزه أو كسر شرطه الخاص. لعل أول ما يلفت الانتباه في «ألبرت نوبس» هو التصوير ودرجة الإضاءة والموسيقى، إذ تقوم معا بدور يحفز التوتر الدرامي مثلما تسهم في صنع عالم من الأجواء النفسية. تحديدا عندما تكون الإضاءة خافتة والموسيقى تتكرر فيها الجملة الموسيقية الكلاسيكية الهادئة وفقا لإيقاع رتيب ترافقها لقطات قريبة متعاقبة من أوضاع مختلفة، تتبدى على وجوه الشخصيات الأنثوية لتنتقل بالتالي إلى «روح» المتفرج. غير أن التمثيل من الممكن القول بأنه عالم قائم بذاته، فالممثلة غلين كلوز، في دور ألبرت، قد أغنت الشخصية بإضافات عميقة من عندها؛ من روحها وأدواتها. ولألبرت نوبس بحسب توقيع غلين كلوز بالفعل، وجه ناحل غير حليق، يبدو في اللقطات القريبة وجها ذكوريا من نوع خاص، غير أنه وجه أنثوي أيضا، ويحمل تعبيرات مختلفة عن الإنسان بالمعنى المطلق وتشعر معه بأنك أمام شخص يعذبه شيء ما، لسْتَ تدركه تماما مع بداية الفيلم لكنه أي الفيلم يضعك في مواجهته منذ لحظة البداية. ومع التقدم في السرد السينمائي للحدث الروائي في الفيلم يشعر المشاهِد أنّ هذا الدور «ألبرت نوبس» لم يكن بمقدور أحد أن يؤديه سوى هذا الممثل / الممثلة بمواصفاته الشخصية والتكوينية الخاصة من فرط ما استغرق في الشخصية واستغرقت الشخصية فيه. ويحدث، في إثر لحظة انكشاف، أن تنجذب «ألبرت نوبس» إلى الرجل الذي يمتهن الطلاء، هيربرت بيج، في أحد فنادق دبلن الفخمة آنذاك، وتقوم بأداء دوره جانيت ماكتير، نكتشف أننا بإزاء امرأتين تنكرتا في زيّ ذكوري. ينجذب ألبرت نوبس، بحس أنثوي طبيعي نحو ذلك العامل الفج، فتكتشف المرأتان معا أنهما تنتميان إلى جنس النساء، وأن هذا العذاب الذي يحيينه بعيدا عن أنوثتهن قد أوشك على التهام أرواحهن. ربما يكون مشهد تلك المكاشفة واحدا من أقسى مشاهد الفيلم، هو الذي لا يُحتمل من فرط شفافيته وصدقه الفني والإنساني معا. هنا يدور المشهد في غرفة هيربرت بيج، التي تصبح، بمعنى أو بآخر، خشبة مسرح تدور عليها أحداث خاصة بها يمكن التعامل معها على أنها مشهد مسرحي، خاصة مع الأداء والإضاءة وعناصر السينوجرافيا الأخرى، فيمارس هيربرت بيج على ألبرت نوبس نوعا من الاضطهاد المركب ويدور حوار عميق، بسيط ومنفعل أحيانا كأنما هو يرتد إلى «ذات» كل من الشخصيتين النسائيتين؛ وكأن كل واحدة منهما بالفعل فيها من المذكّر بقَدْر ما أنها أنثى، ففيما الغلبة للذكر على الأنثى في شخصية بيج كانت شخصية ألبرت نوبس «مهزوم/ ة» بالمقاييس كلّها.