تمكنت مجموعة من الفنانين السعوديين والخليجيين من التعبير عن رؤاهم حول التأثير المتبادل بين العمارة للإنسان، والكيفية التي تُشكّل بها الأساليب المعمارية سلوكيّات البشر، وذلك في معرض “من الداخل” الذي تنظمه وزارة الثقافة ضمن مبادرات برنامج جودة الحياة، كخطوة أولى لإنشاء منطقة فنية بمحافظة الدرعية. ويستضيف المعرض في المنطقة الصناعية بمحافظة الدرعية أعمال أكثر من25 فناناً سعودياً وعالمياً، أبدعوا في التعبير عن رؤيتهم لعلاقة الإنسان بالعمران وأنماط السلوك الإنساني التي انعكست في العمارة والتصميم، وصوروها ضمن مفاهيم فنية مبتكرة، ومن بينهم الفنانة التشكيلية “عفرا الظاهري” التي صاغت عملاً فنياً بعنوان “التجرد من كل الأبنية”، وهو عمل فني يتمثل في قطعة قماش مغلفة بخطوط إسمنتية تم تعليقها على الجدار بواسطة قطعتين من حديد التسليح. يستكشف هذا العمل مناظرة رومانسية حول حب وكراهية أعمال هدم المباني، حيث تعمل الخطوط الإسمنتية كمخطط على سطح القماش، ويستخدم النسيج القطني عادةً كداعم في عملية البناء. ومن خلال تعليق قطعة القماش من نقطتين تسمح لها بالتدلي، لتبدو للمشاهد كما لو أنها مصنوعة من النسيج فقط دون مادة الإسمنت الصلبة، يصبح هذا العمل تجربة تجريدية لإزالة هياكل المباني؛ ويكون الخيال ملاذاً جميلاً من الواقع. أمّا الفنان التشكيلي “أيمن زيداني” فسلط الضوء على استهلاك الطبيعة في الخليج المعاصر. من خلال عمل عمل فني تركيبي بعنوان “القدماء”، يجسّد فيه الفضاء الافتراضي مشهداً تأملياً يمكن أن يراه المشاهد من منظور رباعي الأبعاد، لواقع افتراضي غامر وفيلم فيديو مبنيٌّ على سلسلة من التجارب والتحقيقات التي أجراها الفنان على مدى العامين الماضيين.. ويقدم العمل تمثيلاً تخيلياً للأرض القديمة حيث كانت الصحراء، الموطن كما نعرفها، شديدة الخضرة وزاخرة بالحياة والنباتات. ويمثل المشروع، في جزء منه، تكريماً لتلك الأراضي القديمة التي جعلت الخليج ما هو عليه اليوم، وفي الجزء الآخر، هو لتشجيع عملية التعافي لسكان الأرض. وفي زاوية من المعرض تقف مجموعة من الأشكال الإسمنتية المصبوغة، والمصبوبة في مجموعة متنوعة من الأشياء التي عثر عليها الفنان التشكيلية “عزيز جمال” في لوحة فنية معبرة تحمل اسم “الفراغ”. حيث قام الفنّان بإحياء هذه القطعة الفنية عن طريق التأمل في الأشياء المهملة التي غالباً ما نتجاهلها في البيئات المدنية. إذ يقتصر فهم المساحات على الحيز المادي للأشياء ذاتها. دون الاهتمام بالمساحة الفارغة التي يتواجد تصميمها بلا تخطيط، لذا تخلق هذه الخطوط العريضة والشقوق منظراً سلبياً في المشهد المدني. ومن هنا، يحتفل هذا العمل بمجموعة القطع المهملة، باعتبار أنها تعكس البيئة السابقة، وتجسد مسرحية سيمفونية خاصة. أما الفنان التشكيلي “بو يوسف” فكانت له رؤية مختلفة عن ناطحات السحاب، جسدّها من خلال عمل فني تركيبي سمَاه “الحضانة”، ويتكون من حضانة في مستشفى مصمم خصيصاً لحضانة ناطحات السحاب. جُهزت الغرفة لتشبه غرف الحضانة المخصصة للأطفال في المستشفيات، وتمثل ناطحات السحاب في بلد الفنان، دبي. يقدّم الفنان عالماً وهمياً تحتاج فيه المباني الصغيرة إلى عناية واهتمام مستمرين لتنمو وتصل إلى هيأتها البالغة، وتكتسب هيكلاً قوياً. ويتألف الأداء الفني المصاحب للعمل الفني من ممرضات تم تدريبهن على العناية بالأطفال البالغ عمرهم بحسب الفنان 40 أسبوعاً وتم تشخيصهم في وضع مستقر، مما يعني أنهم قادرون على التنفس بمفردهم ويمكنهم الحفاظ على درجات حرارة الجسم المعتادة. على عكس ناطحات السحاب غير الناضجة والتي تحتاج إلى مزيد من المساعدة. يأتي هذا العمل بمثابة تلميح إلى الحاجة لاحتضان مختلف المباني وناطحات السحاب في دبي ومنحها الرعاية الكافية التي تلبي احتياجاتها. أما الفنانة التشكيلية “دنيا الشطيري” فقدمت عملاً تركيبياً بعنوان “مهد الحضارة”، يتكون من مجموعة كُرات بداخل مساحة مجوّفة، وعند تسليط الضوء على العمل تتشكّل الظلال المتحركة على الكرات ويتحول هذا العمل التركيبي الجامد إلى عملٍ مفعمٍ بالحياة. تعبر الفنانة من خلال استخدامها للضوء والمشهد البصري والحركي الذي يستحضره هذا العمل عن الصورة الرمزية للتكيف الإنساني والعلاقة ما بين الثقافة والحضارة، والبيئة الحاضنة لهما. “من الداخل” يعتبر نقطة تحول رئيسية في المشهد الفني في المملكة العربية السعودية، ويلقي الضوء على الملكات الإبداعية لدي الفنانين السعوديين ويمنحهم الفرصة لإطلاق إبداعاتهم والوصول بها إلى العالمية، في فترة فارقة من عمر المملكة. كما يفسح المجال أمام الفنانين العالميين للوصول إلى شريحة كبيرة من متذوقي الفنون والمهتمين بها في المنطقة ليساهم في تحويل الدرعية إلى منطقة للفنون المعاصرة.