لم تجدْ السعوديَّةُ والإماراتُ والبحرينُ منذُ عقدين من الزمن، ولا مصر منذُ ثورتها الثانية بدّاً من مقاطعة قطر؛ لوقف تدخُّلاتِها بشؤونها الداخليَّة وبرعايتها لتنظيمات التطرُّف والإرهاب كأدواتٍ قطريَّة مزعزعةٍ لأمنها واستقرارها، أدوات تمثَّلتْ بالقاعدة وبالإخوان المسلمين وبحزب الله وبداعش تمويلاً وتسليحاً واحتضاناً لقادتها ومنظِّريها وتدريباً لكوادرها داخلها وخارجها، وامتدَّتْ نشاطاتُها التآمريَّة لتتجاوزَها لدولٍ عربيَّة مموِّلةً مليشياتها الإيرانيَّة والداعشيَّة والحشد الشعبيِّ والحوثيِّين دعماً لإيران الإرهابيَّة لمدِّ نفوذها فيها. توافقت الدولُ المتضرِّرة من قطر على مقاطعتها سياسيّاً واقتصاديّاً فسحبتْ سفراءها منها وطالبتْها بمغادرة سفرائها ودبلوماسيِّيها ورعاياها أراضيها، وأقفلت حدودها البريَّة والبحريَّة وأجواءها أمام خطوطها الجويَّة؛ مقاطعةٌ سُبِقَتْ بمحاولات لتغيِّر الدوحة سياستها العدائيَّة وسلوكها العدوانيَّ ضدَّها وشقيقاتها العربيَّة، مفاوضات انتهتْ بتعهُّدات قطريَّة بالكفِّ عن ذلك ولكنَّها لم تفِ بتعهُّداتها تحت مظلَّتي مجلس التعاون الخليجيِّ وجامعة الدول العربيَّة وآخرها الموقَّعة عام 2014م، فاستمرَّت بتقاربها مع إيران نكايةً بالدول الخليجيَّة والعربيَّة، ومع إسرائيل على حساب القضيَّة الفلسطينيَّة، وبتدخُّلاتها بالشؤون الداخليَّة للدول الخليجيَّة والعربيَّة وبالتحريض عليها إعلاميّاً. حدَّدت الدولُ المقاطِعةُ مطالبَها لقطر بعشرة مطالب، وأصدرتْ بياناً مشتركاً تضمَّن أسماءَ أفراد وكيانات إرهابيَّة فكانت 59 اسماً، 12 كياناً معظمها مدرجٌ في قوائم عالميَّة، فادَّعتْ قطر بأنَّها مجرَّد اتِّهاماتٍ تتطلَّب التفاوض حولها، وأنَّ مقاطعتها حصارٌ اقتصاديٌّ، علماً بأنَّ موانئها البحريَّة مفتوحة لتصلها بالعالم، وأنَّ الطائرات غير القطريَّة المتَّجهة للدوحة متاحٌ مرورها بأجواء الدول المقاطِعة، كذلك الرحلات الخاصَّة والعارضة متاحٌ مرورها أيضاً شريطة إشعار سلطات الطيران المدنيِّ فيها بتلك الرحلات وبأسماء ملاحيها وركَّابها وجنسيَّاتهم وشحناتها، وأن العائلات المشتركة بينها وبين الدول المقاطِعة غير مشمولة بالمنع، وأنَّ معتمريها وحجَّاجها سيعاملون كغيرهم من المسلمين، كما عرضتْ السعوديَّةُ على قطر إمدادها بالتمويناتِ الغذائيَّة والدوائيَّة فرفضت بحسب تصريح وزير الخارجيَّة السعوديِّ، فكيف يكون ذلك حصاراً؟، ولكنَّها مكابرةٌ ستدفع لعقوبات اقتصاديَّة ستزيدُ تضرُّرها فمعاناتها وعزلتها القادمة، فها هي المطالب الأخويَّة تتحوَّل لشكاوى لتعنُّتِها ومكابرتها. ولو تعاملت قطر بإيجابيَّة مع وساطةِ أمير الكويت، وأخذتْ ابتداءً باعتبارها مطالب شقيقاتها لانتهت أزمتُها ولما تزايدت الدولُ العربيَّة والإسلاميَّة المقاطعة لها، ولا دول العالم المؤيِّدة لمقاطعتها كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرها، ولكنَّها عوَّلتْ على إيران الإرهابيَّة وتركيَّا الإخوانيَّة، وعلى إسرائيل الملوحة بعلاقاتها معها وبمشابهتها باعتبارهما دولتين صغيرتين محاطتين بأعداء وبتهديداتٍ، ومارستْ صخباً إعلاميّاً في قنوات الجزيرة وجهات التَّواصل الاجتماعيِّ معتبرةً الدوحة كعبةَ المظلوم، في حين أنَّ ما تطالبُها به شقيقاتُها هو إيقافها تدخُّلاتها بشؤونها الداخليَّة، وإيقاف تمويلها التنظيمات الإرهابيَّة العابثة بالأمن الخليجيِّ والعربيِّ، وإيقافها تحريضها الإعلاميَّ خليجيّاً وعربيّاً، فمقاطعتها من الدول الخليجيَّة والعربيَّة هو ممارسة لسياداتها بحفظ أمنها الوطنيِّ كما كفله لها القانونُ الدوليُّ والمنظَّمات الأمميَّة. جاب وزيرُ الخارجيَّة القطريِّ العالم بقضيَّة خاسرة باحثاً عن مساندين ووسطاء، وحينما يئس كرَّر إعلانه بأنَّ التوتُّرَ الخليجيَّ لن يحلَّ إلاَّ تحت مظلَّة مجلس التَّعاون الخليجيِّ، في حين أنَّه أبدى تخوًّفات حكومته من لجوء دول المقاطعة للحرب على بلاده، فاستجرَّ تركيَّا الإخوانيَّة لتعلنَ على لسان أردوغانها دعم قطر بقاعدة عسكريَّة زعم بأنَّ اتِّفاقيَّتها أقرَّتْ قبل 2-3 سنوات، فكيف لم يستطع وهو الرئيس تحديد تاريخها؟!!، ولكنَّه تبرير لردِّ الجميل لقطر وتخوُّفٌ بأن يكون الدور على تركيا الإخوانيَّة بعدها؛ ونفى وزير الخارجيَّة التركيِّ مراراً إساءات أردوغان للقادة الخليجيِّين، وتابع رحلاته للوساطة وهو يعلم بأنَّ قطر وشقيقاتها تريد الحلَّ خليجيّاً، بل وادَّعى أردوغان بأنَّ تركيّا تقف محايدةً بين الدول الخليجيَّة، فيما هو ينفي اتِّهام قطر برعايتها للتطرُّفِ والإرهاب والعالم شبه مجمع على ذلك، وادَّعى بأنَّ قاعدته العسكريَّة في قطر لحماية دول الخليج جميعاً؟، فهل يعتقد بأنَّ دول الخليج غير قادرة على حمايةِ أوطانها وشعوبها؟، ودخلت باكستان المدعومة سعوديّاً إلى أن أصبحت نوويَّة بإعلانها الدعم العسكريَّ لقطر، ردَّةُ فعل منها لتغيُّرات المواقف تجاهها لرفضها انضمامها للتَّحالف الإسلاميِّ ومساندتها لشرعيَّة اليمن، وعاد أميرُ قطر ووزير خارجيتِّها السابقان إلى الساحة الإعلاميَّة لحماية منجزاتهما السابقة، وكأنَّما نسي الأخير مكاشفته للقذَّافي بالتخطيط لتقسيم السعوديَّة، وللتآمر معه لاغتيال العاهل السعوديِّ في مكَّة المكرَّمة. فما دوافع قطر لإصرارها على سياساتها التآمريَّة وسلوكها العدوانيِّ؟، أيعود ذلك لتقاسمها حقل غاز مع إيران المعادية للعرب؟، ولتصديرها غازها لإسرائيل عدوَّة العرب، ولتخوُّفها من منافسة الأنبار العراقيَّة بغازها فخطَّطت لاضطراباتها لإيقاف شركاتٍ عالميَّة فيها عن مواصلة استكشاف غازها واستخراجه، فهل دفعتها مصالحُ اقتصاديَّة فائضة عن احتياجاتها التنمويَّة لسلوكها تجاه الخليج والعرب والقضيَّة الفلسطينيَّة لتتلقى توجيهات إسرائيل لإدخال حماس باتِّفاقيَّة أوسلو بدعمها لتفوز بانتخابات عام 2007م، ولتفتيت الوحدة الفلسطينيَّة بزرع الاختلافات بينها وبين منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة؟!!، سياسة أوصلت قطر لما وصلت إليه فهل عزَّ تراجعها وتصحيحها؟!!!. فإن جنتْ قطر أموالاً طائلة من وراء ذلك، وصرفت معظمها لتمويل مخطَّطاتها التآمريَّة ودعمها للتنظيمات الإرهابيَّة فإنَّها ستخسر مستقبلها ما لم تصحِّح مساراتها، ففي ظلِّ المقاطعة خسرت بورصتُها 8%، وعملتُها فوق ذلك، وافتقدت العملات الصعبة، ووصلت لتصنيفات ائتمانيَّة للدولة متزايدة الهبوط؛ وذلك تحت ضغط حالة عدم اليقين وارتفاع تكاليف الاقتراض، فوضعها المعيشيُّ والاقتصاديُّ مخيف وغامض ومتوتِّر، ومسارات خطوطها الجويَّة وصادرات غازها ستطول لتكلِّفَها كثيراً لتفقد تنافسيَّتها السابقة، واستمراريَّة المقاطعة سيضاعف التَّضخُّم فيها وسيخفض ناتجها المحلِّي، وستؤدِّي بالنهاية بحسب تصريحات أمريكيَّة لنقل قاعدة العديد لأبو ظبي، بعد أن استبعدها التَّحالفُ العربيُّ لاستعادة شرعيَّة اليمن لانكشافها بتآمرها عليهما، وستسحب الموافقة على استضافتها لأولمبياد 2022م، هذا كلُّه مع ما ستعانيه من تصعيد الدول المتضرِّرة منها كمصر وليبيا وعشائر الأنبار وغيرها للجهات الأمميَّة والجنائيَّة ومطالباتها بتعويضاتٍ ضخمة، فيا تُرى ما قطرٌ فاعلة أمام ذلك كلِّه؟!!.