(أ) الإيرانيون بمجملهم لم يكونوا يوماً أعداءً للعرب بل إن هناك كثيرا منهم أضحوا إضافة إيجابية للفقه والعلم والتقدم العربي والإسلامي، فالبخاري ذو الأصول الفارسية الذي نستقي من صحيحه الاتجاه السني، وابن سينا الذي ملأ الأرض علماً والفارابي والغزالي، وسيبويه الذي أسس قواعد اللغة العربية والرازي العالم والطبيب، لم يكونوا يوماً إلا معيناً إسلامياً وعربياً يستقي منه العالم أجمع. إن الالتقاء بين العرب وما يسمى بفارس لم ينقطع بل إن التكامل بين القبائل هنا وهناك كان كبيراً، وازداد بعد رسالة نبي الرحمة محمد، ذلك التواصل لم يكن إنسانياً بحتاً بل تغلغل في مكونات الثقافة والأدب والحضارة وأدواتها، فاللغة الفارسية القديمة التي تحوي 60% من المفردات العربية، هي ذات جذورعربية في منشئها و تطورها، كما أن للمصطلحات الفارسية أثرا بارزا في تكون اللغة العربية الحديثة أكثر من أي لغة أخرى (الباحث محمد رشيد ذوق). (ب) إن الإشكالية القائمة (بيننا) وبين الفرس الحاليين ليست إشكالية ثقافية أو إنسانية أو حضارية، فهناك كثير من القواسم المشتركة، ولكن منذ أن انتصرت الثورة في إيران عام 1979م، أسدل زعماؤها وفي مقدمتهم مرشد الثورة، بأنهم لن يقفوا في ثورتهم عند حدود إيران، بل سيعملون على نشرها في العالم العربي الإسلامي، بخاصةٍ في العراق ودول الخليج العربي ولبنان. ذلك هو فتيل الخصومة والتباعد والحذر من إيران، إنه تصدير الثورة وليس المكون البشري أو المذهبي اللذان كانا متعايشين مع المكونات الآيديولوجية المختلفة في العالم الإسلامي دون أي إقصاء أو عنف، فالسياسة تطل برأسها في ذلك الاتجاه لتصور لنا أن خلافنا مع الآخر هو خلاف مذهبي. (ت) مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام (هنا) و في عالمنا الإسلامي أيضاً، أغفلت كثيراً أن تبين (لنا) أن هناك فرقا شاسعا بين الإنسان الإيراني البسيط والاعتقاد المذهبي الأصيل لهم وبين ساستهم ومرشدي تصدير الثورة، مما جعلنا نضع جميع البيض في سلة واحدة، ونتوجس من كل شيعي (مواطن) والعكس، حتى وصلت الحال بنا إلى التكفير والعنف.