لويس دياز : بايرن ميونيخ يتماشى مع أهدافي    أمير القصيم يبارك جهود جمعية "استدامة" في دعم الاستدامة والرعاية الصحية    "برق" في عامه الأول: 7 ملايين مستخدم و تعاملات ب 73 مليار ريال    رابطة العالم الإسلامي: نجاح المملكة في مؤتمر حلّ الدولتين يمثَّل محطة مفصلية تجاه القضية الفلسطينية    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى (10920) نقطة    توتنهام يسقط أرسنال ودياً بهدف    فهد سندي يفوز برئاسة الاتحاد    سرقة مقتنيات ثمينة من منزل تامي أبراهام في لندن    أمير المدينة يكرم المشاركين في مبادرة "الشريك الأدبي"    كاسيت 90 .. تعود من جديد إلى جدة بذكريات وأصوات الزمن الجميل    محافظ الطائف يوجه بإغلاق منتجع شهد سقوط إحدى الألعاب    أمير جازان يقلّد مدير جوازات المنطقة رتبته الجديدة    الشيخ : تمسك المملكة الدائم بحل الدولتين خيار قانوني عادل متوافق مع الشرعية الدولية    السعيد: القادسية نادٍ كبير.. سأكون جزءاً من إنجازاته    فرع هيئة حقوق الإنسان بجازان يحتفي باليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالأشخاص بالتعاون مع الجهات الحكومية    معرض المدينة للكتاب.. نوافذ على العالم    الذهب ينتعش من أدنى مستوى في شهر مع تصاعد مخاوف الرسوم الجمركية    تكريم "التخصصي" لدوره في تعزيز الصحة المجتمعية بالمدينة المنورة    المملكة تُرحب بإعلان كندا ومالطا عزمهما الاعتراف بفلسطين سبتمبر المقبل    استمرار الرياح النشطة على معظم مناطق المملكة    تقنيات الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى الحسّ الثقافي والبلاغي    هجوم روسي على منشآت تدريب أوكرانية    إسرائيل تواصل قصف الجوعى في مراكز المساعدات وتوزيع المياه    "المركز الوطني للفعاليات" يوقع مذكرة تفاهم مع هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة    إطلاق منصة الفانتازي لكأس العالم للرياضات الإلكترونية بجوائز إجمالية تبلغ 200 ألف دولار    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    أول جهة حكومية تنال شهادات (CREST) العالمية.. سدايا تحقق التميز في الأداء الحكومي ورفع الإنتاجية    نائب أمير مكة يستقبل رعاة حملة توعية ضيوف الرحمن    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    أوفياء كشافة شباب مكة يطمئنون على فضل    أسرة الزهراني تحتفل بزواج أحمد    آل العيسوي وأبوزيد والطباع يتلقون التعازي في محمود    بسبب تجويع سكان غزة.. شخصيات إسرائيلية بارزة تطالب بعقوبات على تل أبيب    4 أشواطٍ تحضيرية للكؤوس في الأسبوع الثاني من موسم سباقات الطائف    في ديوانيته الأسبوعية.. خوجه يحتفي بسفير جمهورية طاجيكستان    أندية سعودية تسعى لضم ليفاندوفسكي    بمشاعر الوفاء.. تناغم الفن تكرم التشكيليين    عرض مسرحية «طوق» في مهرجان إدنبرة الدولي    وفاة الفنان لطفي لبيب.. الضاحك الباكي    وسط تحركات دبلوماسية متسارعة لدعم حل الدولتين.. 15 دولة غربية تدعو للاعتراف بدولة فلسطين    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    20 فرصة عقارية بمزاد كندة العلني الهجين في مكة المكرمة    ارتفاع أسعار الغاز في 2025    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير مشروعات صبيا وضمد    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    التماس العذر    استعراض مبادرات وأنشطة محمية تركي بن عبدالله أمام أمير حائل    فيصل بن مشعل يكرّم مميزي "مدني القصيم" في الحج    فن المملكة يحطّ رحاله في بكين    المملكة تقدم دورة علمية لتأهيل الأئمة والخطباء في جيبوتي    جامايكا تشيد بمبادرة المملكة لنقل التوأم الجامايكي الملتصق «أزاريا وأزورا» إلى الرياض لدراسة حالتهما الطبية    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    نجاح عمليتين لزراعة مضخات قلبية بمدينة الملك عبدالله بمكة ضمن برنامجها المتخصص في قصور القلب    كبار السن في السعودية يتصدرون مؤشر الصحة الذهنية عالميًا    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    ثقافة القطيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع المدني .. المفهوم والسياق!

ربما كان علينا الحذر حينما نقارب مفهوم المجتمع المدني في سياقنا الثقافي العربي الإسلامي، لاسيما ونحن نعلم أنه مفهوم ولد ونشأ وازدهر واكتسب معانيه المتداولة في سياق الحضارة الأوروبية الحديثة والمعاصرة، إذ إن المفاهيم لا توجد في فلك الأفكار ومدونات اللغة فحسب، بل هي كائنات تاريخية شديدة الارتباط بسياقاتها الاجتماعية والثقافية، والسياق هو كامل الوسط الذي يحيط بالمفهوم من جميع جوانبه، ولكل مفهوم مكان وزمان ميلاد وسياق نمو وعلاقات ممارسة وفضاء تداول ونظام لغة وحساسية معنى وحقل تأويل وشفرة سيمياء .. إلخ. والأمر كذلك يصعب الاكتفاء برصد التعريفات المعجمية لمفهوم المجتمع المدني وكما ورد في الموسوعة الحرة المجتمع المدني: هو كل أنواع الأنشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم وأهداف مشتركة. وتشمل هذه الأنشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني من تقديم الخدمات، أو دعم التعليم المستقل، أو التأثير على السياسات العامة أو التعريف الذي يصف المجتمع المدني ب «مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية… تضم الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية ، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري».
فكما هو واضح أن تلك التعريفات تركّز على وصف المجتمع المدني بالإشارة إلى عنصر من عناصره، (المنظمات والمهام) ولكنها لم تقل لنا شيئاً عن ما هو المجتمع المدني في مضمونه الكلي ومعناه العمومي. فنحن نزعم أن المجتمع المدني ليس مجرد مجموعة من المنظمات المدنية التي ينضمُّ الأعضاء إليها بإرادتهم الحرة أو التي تهدف إلى تقديم خدمات بدون (غايات ربحية أو سياسية)- فمثل هذا الفهم يجعلنا نعتقد بأن لدينا مجتمعاً مدنياً، طالما ونحن نمتلك مثل هذه المنظمات المنتشرة في عموم مجتمعاتنا العربية التي تُعد بالآلاف! بل لابد من التأكيد على أن المجتمع المدني هو أكبر من هذا التعريف بكثير. وهذا ما يدفعنا إلى البحث في تحولات المفهوم وسياقات المعنى . ونعتقد أن الفكرة الأسياسية في مقاربة المجتمع المدني هي تلك التي تنطلق من النظر إلى المجتمع ككل بوصفه عدداً من المجالات، متناغمة مع قوى واحتياجات الذات الإنسانية الفردية قوة الحب والعلاقات الحميمية، في المجال الخاص مجال الأسرة مؤسسة القرابة التقليدية الأولى، والقوة العاقلة والعلاقات الضرورية للحياة الاجتماعية المشتركة، المجال العام، مجال السياسة والسلطة، والقوة الغريزية المتعطشة إلى الإشباع المادي، المجال الاقتصادي، وعلاقات السوق، حيث المنافسة والربح والاحتكار، وقوى الموهبة والاهتمام، حيث يجد الأفراد فرص التعبير عن مقدراتهم وتطلعاتهم ومواهبهم واهتماماتهم الحرة، مجال العلاقات المهنية والحرفية الإبداعية وغير الإبداعية، المجال المدني، حيث تختفي علاقات القرابة الحميمية، وعلاقات السياسة التسلطية، وعلاقات السوق التنافسية الربحية، هنا يمكن لنا التعرف عن المجتمع المدني في الرحم الحي لتخصيبه، ولكن هل يمكن للمجتمع المدني أن يتخصب وينمو ويولد ويزدهر من ذاته ولذاته وبدون قوى وشروط فاعلة؟ بالنظر إلى المسار التاريخي للمجتمع المدني المفهوم والسياق، يمكن لنا الجواب عن هذا السؤال بالنفي، ليس بمقدور المجتمع المدني أن يولد وينمو ويزدهر بدون وجود قوة تحميه أو تبيح له فرصة الوجود الفاعل والديمومة، وهذا هو ما يقوله لنا جون أهرنبرغ، في كتابه المهم، المجتمع المدني: التاريخ النقدي للفكرة، الذي تتبع صيرورة المفهوم منذ أفلاطون الذي رهن المجتمع المدني، بل والمجتمع الحميم (الأسرة) إلى المجال السياسي العام، في جمهورية العقل المهيمن، أي الدولة المؤسسة الجامعة، وهي الفكرة التي استندت عليها كل النظم الشمولية المطلقة فيما بعد، الاشتراكية الستالينية والنازية والفاشتية، وعلى خلاف أفلاطون جاءت نظرية أرسطو في المجتمع المدني وتطورت لاحقاً على أيدي عدد واسع من الفلاسفة في العصر الحديث ومنهم ، ميكافيللي، وجون لوك وروسو وكانط وهيجل وماركس وتوكفيل وجون رولز وسينيت وحنه ارنت وغيرهم.
وفي الحقيقة لم يظهر المجتمع المدني بشكله الأنضج إلا بعد استقلال المجال السياسي عن المجال الديني، وهذا هو أهم منجزات العلمانية الحديثة في العهد الليبرالي إذ رأت النظريات الليبرالية أن المجتمع المدني يستلزم نظاماً قانونياً يدافع عن حقوق الملكية الخاصة.. فالمجتمع المدني هو (عالم المجتمع الذي يقع خارج المؤسسة السياسية والإدارية للدولة وخارج قواعدها المنظمة للاقتصاد … فما يجعل من مجتمع ما مجتمعاً (مدنياً) هو أنه الموضع الذي ينظم فيه الناس أنفسهم بحرية في جماعات وروابط أصغر أو أكبر في مستويات متنوعة بغية الضغط على الهيئات الرسمية لسلطة الدولة من أجل تبني سياسات منسجمة مع مصالحها، يقصد تلك الجماعات المدنية ويبين سينيت في كتابه المهم (سقوط الإنسان العام) الفروق الدقيقة بين المجال العمومي ومجال الحياة العامة (المجتمع المدني) والمجال الشخصي، فالمجتمع المدني هو مجتمع الغرباء، إذ إن المجتمع الحميمي يجعل الحياة المدنية أمراً مستحيلاً. فالناس لا يستطيعون تطوير علاقاتهم مع الآخرين إذا عدوها غير مهمة لكونها علاقات لا شخصية. والمجتمع الحميم على عكس تأكيدات أصحابه، هو مجتمع فظ؛ لأن الحياة المدنية (هي النشاط الذي يحمي الناس من بعضهم بعضاً، ويتيح لهم مع ذلك أن يتمتعوا برفقة الآخر)، فالعيش مع الناس لا يستلزم (معرفتهم) ولا يستلزم التأكد من أنهم (يعرفونك).. والحياة المدنية توجد عندما لا يجعل المرء من نفسه عبئاً على الآخرين».
وبالخلاصة يمكن لنا التأكيد على أن المجتمع المدني بوصفه مجالاً للحياة العامة المستقلة عن العلاقات السياسية والروابط الشخصية وقيم السوق لا يمكن له أن ينمو ويزدهر إلا في ظل وجود دولة المؤسسات المنظمة بالدستور والقانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.