يثار جدل كبير في المنطقة العربية حول ما بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق، تشعب في تونس إزاء احتمالات عودة مئات من الشباب التونسي الذين يقاتلون في صفوف تنظيم داعش إلى بلادهم، وكيفية التصرف والتعاطي معهم. وقد أبدت عديد من القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التونسية آراءها في هذا الموضوع، ووجهت لحركة النهضة تهمة تسهيل عودة أكثر من 2500 داعشي قاتلوا في العراقوسوريا وليبيا بحجة إدماجهم في المجتمع التونسي تحت شعار «التوبة»، واعتبرت تلك القوى أن العائدين إلى تونس من الدواعش يشكلون قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة لتقضي على مكتسبات الشعب التونسي، وتحول البلاد إلى بؤرة إرهاب تأتي على الأخضر واليابس، بينما دعا آخرون إلى تقديمهم للمحاكمات انطلاقا من قانون مكافحة الإرهاب. الضغوط على حركة النهضة أجبرت أحد قيادييها على الإعلان بأن حركته تتمنى لهؤلاء عدم العودة أو احتواءهم في إحدى الدول التي تقبلهم وتجرى محاكمتهم هناك. وفي نفس المسار، تتأهب السلطات المصرية لمواجهة تسلل المسلحين المصريين الذين التحقوا بداعش خصوصا في العام 2013؛ حيث الحدود الغربية مع ليبيا معقدة ويمكن التسلل منها باعتبارها تعاني من انفلات أمني في الجانب الليبي؛ ليتم احتواؤهم في الجماعات التي تقاتلها الحكومة في عديد من المناطق خصوصا في شبه جزيرة سيناء. السلطات المصرية اعتبرت مواجهة المسلحين المحتمل تسللهم إلى مصر أولوية أمنية، وقد طالب وزير الداخلية المصري اللواء مجدي عبدالغفار بوضع خطط استباقية لمواجهة القادمين من سورياوالعراق وليبيا. الحراك الرسمي والسياسي في تونس ومصر وبعض العواصم العربية لمواجهة داعش يحمل دلالات واضحة على أن هذا التنظيم وبعد تلقيه الضربات الموجعة في العراقوسوريا وليبيا، قد يعمد إلى نشر عناصره في البلدان التي أتى منها مقاتلوه، وهي تتجاوز مصر وتونس وتمتد إلى أغلب الدول العربية، ومنها دول في مجلس التعاون الخليجي التي اكتوت بنيران تفجيرات التنظيم الإرهابي، الأمر الذي يجعل من المنطقة العربية عرضة لخضات من نوع آخر إن لم تجر معالجة أمر مقاتلي داعش بما يليق بتنظيم اكتسب خبرات وتجارب ثرية في التفجير وحرب العصابات وصناعة المفخخات، بما فيها الأحزمة الناسفة. إن المشكلة ليست فقط في عودة الدواعش رفيعي التدريب العسكري على كل ما هو مدمر، بل في دواعش الداخل العربي الذين يتمتعون بحواضن شعبية تفرخ مزيداً منهم مع تعثر التنمية الإنسانية وتزايد مستوى الفقر والبطالة وتدهور التعليم والتطبيب والخدمات العامة واستشراء الفساد المالي والإداري في أرجاء الوطن العربي. فالمسلحون المتمرسون على القتال في سورياوالعراق وليبيا قد يكون أغلبهم مرصودين أمنياً، ويمكن التعاطي مع حالاتهم وفق عمليات التنسيق بين الأجهزة الأمنية العربية والإقليمية والدولية، لكن دواعش الداخل قد يشكلون خطورة أكبر أمام هذه الفوضى التي تعم كثيراً من البلدان العربية للدرجة التي ترتخي فيه الأجهزة الأمنية مع تلك العناصر، ما أفرز نتائج كارثية في أحيان كثيرة. ففي مصر مثلا ثمة مئات من المنتمين للتنظيمات «الجهادية» التي تشبه داعش حتى التماهي مثل تنظيم بيت المقدس والمقدر عدد أفراده بنحو 300 مقاتل ومثلهم من تنظيم داعش الذي يقوده عنصر عراقي، وتنظيم القاعدة، فضلا عن التنظيمات الأخرى مثل «الذئاب المنفردة»، وأغلب عناصرها تتمركز في المناطق الحدودية في سيناء وعلى الحدود الليبية. من المعلوم للمتابعين، أنه كلما زاد الضغط على تنظيم داعش في مناطق النزاع السوري والعراقي والليبي، كلما أصدرت قيادة التنظيم أوامرها للعناصر المتخفية في العواصم العربية والأوروبية وفي المدن والبلدات الحدودية التي تكون عادة بعيدة عن أعين أجهزة الأمن أو خارج سيطرتهم بالضرب تحت الحزام، وتفجيرات تركيا لاتزال حاضرة. وعلى ذلك فإن المخطط الذي تتسرب بعض فصوله تفيد بأن دواعش تونس يفكرون ملياً في اختراق الجزائر وإحداث الفوضى فيها، وإعادة عقارب الساعة إلى نهاية الثمانينيات حتى النصف الثاني من التسعينيات التي استنزفت البلاد كثيرا. هناك عشرات الآلاف من الدواعش ينتمون لكل الدول العربية ومثلهم من دول وأقاليم إسلامية يتهيأون للقيام بمهمات جديدة تتماشى مع طبيعة مرحلة الجزر التي يواجهها التنظيم في معاقله، خصوصا بعد اقتناع العواصم الكبرى أن الموضوع ليس محصوراً في العراقوسوريا، بل يتمدد إلى بروكسل ولندن وباريس التي أعلنت قبل يومين القبض على داعشي يخطط لضرب احتفالات رأس السنة الميلادية جنوب البلاد، وهو ما يؤكد أن ليس هناك مكاناً آمناً لا في المنطقة العربية ولا حتى في دول أوروبا بعد أن يأتي فرمان الانتشار الداعشي من «ولاية الموصل» قبل إعادتها إلى حضن الوطن العراقي، وبعد أن يضيق الخناق على التنظيم في عاصمة الدولة «الرقة»، ما يفرض إعادة قراءة حصيفة للداخل العربي وعلاقاته المركبة مع المكونات المتنوعة في كل مجتمع، ذلك أن داعش سيتصرف انطلاقا من القول «أنا الغريق فما خوفي من البلل»، وسيضرب في الخواصر الرخوة التي يجد الفرصة فيها لقتل مزيد من الناس وحتى حرقهم وهم أحياء. ولكي يوصل إلى هذا المستوى من التمكن سوف يستثمر الاستقطابات والتمترسات الطائفية والمذهبية وتعثر التنمية واستفحال الفساد والفقر والبطالة. وهذا الذي ينبغي أن تواجهه النظم العربية بتمتين الوحدة الداخلية في كل بلد بمكافحة الفساد والتمييز والإقصاء وخطاب الكراهية؛ للتمكن من مواجهة الدواعش العائدين إلى أوطانهم واستباق خلايا التنظيم النائمة التي تنتظر ساعة الصفر لتمارس تخريبها.