يقول التاريخ إنه منذُ سقوط الدولة العباسية عام 656 ه غاب العرب عن التأثير، بل إن بعضهم قال لم يكن لهم تأثير منذ عهد مبكر من الخلافة العباسية، لكننا نقول ذلك لأنهم كانوا يمسكون بزمام السلطة حتى سقوط بغداد. ما الذي حدث بعدها؟ لقد تولى القيادة بعد ذلك غير العرب، وكانوا الخط الأول للدفاع عن الإسلام وعن العرب وأرضهم، بعد أن تمزقت البلاد الإسلامية، وقد حاولوا تثبيت الإسلام كقوة سياسية تخولهم للسلطة، وواجهوا به الغزو الأجنبي معتمدين على العنصر الأجنبي ومهملين العرق العربي. ما الذي جنيناه من ذلك؟ لقد كان العرب منذ دعوة المصطفى عليه الصلاة والسلام وحتى نهاية النصف الأول من القرن الثاني الهجري ينهضون للقيام بواجبهم على أحسن وجه، ففتحت الأرض وتوسع الإسلام وامتدت رقعة العرب لأرضٍ لم يحلم بها عربي، لأن العرب عملوا على أرضهم بما يمليه عليهم دينهم وواجبهم الإنساني فوصلوا إلى الصين شرقًا ولحدود فرنسا غربًا. فتحدث العربية من لم يتحدث بها من قبل، ودخل الإسلام من لم يسمع به من قبل، وقُرِئ كتاب الله في أراضٍ لم تعرف من الرسالات السماوية حتى اسمها. ثم بعد أن جلتهم الظروف عن مقاعد الحكم، وأبعدتهم مكائد السياسة، استولى عليها غير العرب، فتقلصت البلاد وفُقدت الأرض، حتى اُنتهكت عاصمة الإسلام (بغداد) وقُتل بها الآف البشر من المسلمين. عاد الحكم للعرب في نهاية الحقبة العثمانية، ففقدنا حتى الدفاع عن الأرض، لقد أُخذت فلسطين، ثم لحقتها الأحواز، فجزرنا في الإمارات، وهاهي العراق أصبحت خارج الخارطة العربية أما الشام فتكاد تلفظ ماتبقى من عربيتها، وقد كادت اليمن تذهب أيضًا لولا أن قيض الله لها رجلًا عربيًا قحا، استردها بالنخوة العربية. فهل ما زالت أرض العرب في معظمها تفتقد للعربي القح الذي يألم لما نألم ويفرح لما نفرح ويشمر عن ساعديه كما شمر المعتصم لامرأة في عمورية.